تتسارع الأحداث في العراق والمنطقة بوتيرة تدعو للقلقمما وضع مستقبل العراق في خانة المجهول. وبات العراق مرهوناً بردود الأفعال الخارجية الإيرانية والأمريكية، والداخلية. فهل قررت إيران حقاً الرد عسكرياً على اغتيال وتصفية الجنرال قاسم سليماني ؟ وهل سيرد حزب الله العراقي بعنف وبهجمات إرهابية ضد الوجود الأمريكي في العراق انتقاماً لمقتل وتصفية القيادي في الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس؟ وماذا سيترتب على مثل هذه التصرفات، لو حدثت، من الجانب الأمريكي وكيف سيكون الرد؟ خاصة بعد أن أرغم البرلمان العراقي تحت تهديد حزب الله العراقي ، للتصويت على قرار ليس له قيمة حقيقية، بإخراج القوات الأمريكية من العراق الأمر الذي سينطوي على مبادرات أمريكية سلبية جداً تجاه العراق كفرض عقوبات وإعادته للفصل السابع ورفع الحصانة المالية والبنكية الأمريكية عن عائداته النفطية مما سيثير شهية الدائنين لحجز الأموال العراقية والعائدات النفطية في البنوك العالمية وجعله عاجزاً عن تلبية التزاماته المالية تجاه دائنيه وتجاه شعبه. هددت إيران ومعها وكلائها الإقليميين كحزب الله في لبنان والجهاد الإسلامي وحماس في غزة والحوثيين في اليمن والميليشيات العراقية الموالية لإيران في العراق، بضرب المصالح الأمريكية أينما تواجدت، أشخاص وشركات وقواعد وسفن تجارية وناقلات وقطع عسكرية وحربية الخ.. فيما ردت أمريكا على لسان رئيسها الأرعن دونالد ترامب أنها حددت 52 هدفاً استراتيجياً وعسكرياً ومدنياً وثقافياً مهماً داخل إيران وأنها ستواصل ضرب امتدادات إيران وميليشياتها المسلحة المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان. فرد على ترامب سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي والقائد السابق للحرس الثوري ، بأن إيران في هذه الحالة ستضرب تل أبيب وحيفا وتحيلهما إلى رماد ، وكان هذا الأخير قد صرح في أعقاب مقتل قاسم سليماني أن إسرائيل ربما لعبت دوراً في جمع المعلومات اللازمة حول خط طيران الجنرال سليماني من لبنان إلى سوريا وعودته إلى العراق الذي بات بحكم المقيم فيه للتدخل في حل الأزمة السياسية المستعصية جراء استقالة حكومة عادل عبد المهدي نتيجة لضغط الجماهير المنتفضة والثائرة ضد العملية السياسية برمتها وضد الأحزاب الإسلامية المتحكمة بالسلطة والتي تمتلك ميليشيات مسلحة متغولة وتأتمر بأوامر وتوجيهات إيران المباشرة، إذا أن المشهد السياسي برمته خاضع لإرادة إيران منذ العام 2003 ولغاية اليوم.
وبغض النظر عن رأينا وموقفنا من قاسم سليماني ودوره وسلوكيات دولته إيران التي صادرت إرادة العراقيين واستقلالهم وحرية قرارهم واختياراتهم، تجب الإشارة إلى أنه، باختيار واشنطن تصفية الجنرال الإيراني على الأرض العراقية بطائرة مسيرة فجر يوم الجمعة 3/01/2020 بالقرب من مطار بغداد الدولي عند خروجه منه قادماً من سوريا، تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد ارتكبت فعلاً إرهابياً يصنف بإرهاب الدولة وعملاً إجرامياً سيدفع تبعاته العراق غالياً. وهو يعد بمثابة شن حرب على إيران نظراً لأهمية ومكانة هذا الشخص في المنظومة القيادية الإيرانية العسكرية والسياسية. وبما يعرف من بارغماتية القيادة الإيرانية فإنها لن تتسرع بالرد وتعرض نفسها للتهلكة فسوف تأخذ طهران الوقت الكافي لدراسة كافة الاحتمالات التي ستترتب على ردها الانتقامي فمجلس الأمن القومي الإيراني في حالة اجتماع مستمرة وعلى تواصل مع عواصم دولية كموسكو وبكين وربما بعض العواصم الأوروبية أيضاً للتشاور وشرح الموقف الإيراني تجاه هذه الجريمة ، في حين يتمنى الأمريكيون رداً إيرانياً فورياً ومتشنجاً ومتسرعاً لكي تتكون لديهم ذريعة بضرب إيران فوراً في العمق . وأمام الإيرانيين عدة خيارات أولها أن يكون الرد الانتقامي على يد عملائها ووكلائها المحليين في العراق ولبنان واليمن وسوريا وغزة ، لأن إيران تعتبر أن اغتيال أمريكا لشخصية إيرانية عسكرية من الصف الأول، يعد بمثابة إعلان حرب من طرف الولايات المتحدة الأمريكية على إيران، وإن هذه الحرب ، إذا استمرت على هذه الوتيرة من التصعيد وتحولت من الحرب النفسية والكلامية إلى الحرب الفعلية الساخنة، ستمس وتحرق المنطقة برمتها ، حيث ستطال إسرائيل ومنطقة الخليج ، وستورط دول العالم لأن انعكاساتها الاقتصادية وخيمة على دورة الاقتصاد والتجارة والطاقة على نطاق العالم بأكمله. فالسياسة الخارجية الأمريكية خطيرة ومدمرة وتشكل خطراً على السلم والاستقرار الدوليين ولقد لمسنا ثمار هذه السياسة العدوانية في العراق في تسعينات القرن الماضي وفترة الحصار والعقوبات التي دمرت الشعب العراقي ، والغزو الذي أطاح بنظام صدام الدكتاتوري الدموي سنة 2003 ، تحت ذرائع كاذبة ومزورة، وتنصيب شلة فاشلة وفاسدة من السياسيين على مصير ومقدرات الشعب العراقي إلى جانب رعايتها لتنظيمات إجرامية وإرهابية مثل داعش وأمثالها. فقاسم سليماني ليس شخصية يمكن مقارنتها بعماد مغنية الذي اغتالته إسرائيل في دمشق، أو بأسامة بن لادن الذي اغتالته أمريكا في الباكستان ، أو أبو بكر البغدادي الذي اغتالته أمريكا في بادية الشامة على الحدود العراقية السورية، فهو عسكري كان له دور في تصفية تنظيمات مثل القاعدة وداعش في العراق وسوريا، وهو نفس الهدف الذي أرادت الولايات المتحدة الأمريكية تحقيقه في هذه المنطقة، على الأقل على المستوى العلني الإعلامي. العراق الرسمي ممثلاً برئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي ورئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسياعتبر الضربة الجوية بطائرة مسيرة التي قتلت قاسم سليمان ومعه أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الرسمية باعتبارها إحدى تشكيلات الجيش العراقي والقوى الأمنية الداخلية، انتهاكاً لسيادة العراق وخرقاً للقانون الدولي وللأعراف الدولية ، بينما اعتبر ترامب أنه قام بتصفية الإرهابي رقم واحد في العالم والذي اتهمه بالتحضير لعمليات إرهابية ضد الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين المتواجدين في منطقة الشرق الأوسط . لقد وصفت بعض وسائل الإعلام الغربية عملية اغتيال سليماني كأنها شرارة لمواجهات وتداعيات خطيرة قد تتطور إلى حرب عالمية.
على الصعيد الداخلي يشهد العراق فوضى عارمة وخطر داهم لنشوب حرب أهلية أو جرائم تصفية دموية تقوم بها الميليشيات الموالية لإيران ضد المدنيين المنتفضين ضد المنظومة السياسية العراقية كلها وضد المحاصصة الطائفية وضد الفساد حيث تقف على رأسهذه المنظومة السياسية تنظيمات ميليشياوية مسلحة ومنفلتة ومتغولة لا يردعها قانون ولا سلطة وتنفذ أجندة إيرانية محضة، ترتكب جرائم قتل واغتيال وتصفية وخطف للناشطين المدنيين السلميين وتمارس الترهيب وتطلق النيران وبالرصاص الحي ضد المتظاهرين. ويهيمن على الساحة السياسية العراقية حالة من الانسداد والتخبط وأزمة لم يسبق لها مثيل . وعجز كامل للحكومة في وضع حد لحالة الانفلات والعنف والقتل والاغتيال في وضح النهار وعدم محاسبة المجرمين الذين تسببوا بسقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمعوقين مدى الحياة ، كما فشلت الحكومة العراقية في حماية المواطنين والمتظاهرين السلميين المطالبين بحقوقهم المشروعة والتي يكفلها الدستور. لقد منعت الحكومة العراقية محاولات المتظاهرين عبور الجسور والتوجه للمنطقة الخضراء، بينما فتحت أبواب هذه المنطقة المحصنة على مصراعيها أمام مسلحي الفصائل المسلحة والميليشيات الموالية لإيران لاقتحام وحرق السفارة الأمريكية الواقعة داخل المنطقة الخضراء، وبأوامر إيرانية مباشرة. تحالف البناء الذي فرض نفسه على أنه الكتلة الأكبر في البرلمان يضغط على رئيس الجمهورية الكوردي برهم صالح لتسمية مرشحهم لتشكيل الحكومة القادمة وهذا بدوره يرفض ويراوغ لكسب الوقت بينما يتخبط تحالف سائرون صاحب أكبر عدد من النواب داخل البرلمان في قراراته المتناقضة وهو في نهاية المطاف ألعوبة بيد طهران حيث يتواجد زعيمه مقتدى الصدر . إلى أين يسير العراق؟ لا أحد يدري، ولكن من المؤكد أنه يسير نحو المجهول.
التعليقات