جنوب العراق منذ زمن بعيد يعيش في الفقر والتخلف والمرض، وهو بمحافظاته البصرة والديوانية والعمارة والناصرية والوسط بمحافظاته واسط والحلة وكربلاء والنجف والسماوة، محرومان من مظاهر التطور والتقدم، وهما يعيشان بحالة متخلفة من المعيشة الحياتية والخدمية والبلدية، والارقام والاحصائيات التي تنشرها الوزارات والمؤسسات العراقية وخاصة التخطيط تبين دائما ان الجنوب والوسط متخلفان عن بقية مناطق العراق وخاصة اقليم كردستان، علما ان الاخير ان كان مهد البشرية ومنبع حضارات فجر التاريخ فان وادي دجلة والفرات بالجنوب احتضن الحضارات الاولى السومرية والاكدية والبابلية لنهضة الانسان بثلاثة الاف سنة قبل الميلاد.
والغريب رغم التأخر الحاصل في بنية حياة ومعيشة الانسان في جنوب ووسط العراق منذ عقود، الا ان أغلب الخسائر الجسيمة البشرية والمادية دفعها اهالي محافظات هذه المناطق وحاصة في الحروب التي خاضها رئيس النظام البائد صدام حسين، الخليج الاولى والثانية وحربه ضد انتفاضة العراقيين سنة واحد وتسعين، ومع هذا فان صدام حرم الكل من المستلزمات الحياتية الرئيسية وخاصة شعب البصرة حيث مرمهم من ابسط الحاجات الحياتية الاساسية وهي الماء الصالح للشرب.
وان كان هنالك اسباب سياسية محلية واقليمية ودولية وراء فرض التخلف والفقر والمرض بقصد على العراقيين في الجنوب والوسط، فان التركيبة المذهبية لرجال الحكم وخاصة في عهد حزب البعث البائد قد لعبت دورها في تشديد وتطبيق سياسة الحرمان والتخلف على اكثر من نصف سكان العراق بعيدا عن المثل والقيم الانسانية والاخلاقية للدولة، وتطبيقا لسياسة الاضطهاد التي كانت متبعة اساسا من قبل النظام العربي ضد المذهب الشيعي في اغلب ارجاء العالمين العربي والاسلامي.
ولا شك ان عملية اسقاط نظام صدام حسين سنة الفين وثلاثة من قبل الولايات المتحدة والتحالف الدولي، كانت نقطة تحول كبرى في حياة الشيعة بالعراق، وفتحت الباب على مصراعيها لانتقال وتسليم الحكم الى الاغلبية العراقية من الشيعة لاحداث تطور تاريخي في حضورها السياسي والاقتصادي والثقافي والديني والعمراني والخدمي والمعيشي والحياتي على الساحة العراقية، وذلك للتخلص من اثار الحرمان والتخلف التي كانت سائدة في السابق.
ولكن من مآسي القدر العراقي ان ساسة الشيعة تحولوا الى ذئاب ووحوش وديناصورات لنهب وسرقة ووفرهدة ثروات واموال وموارد وممتلكات العراقيين وخاصة الشيعة منهم، وحولوا محافظات ومدن جنوب ووسط العراق الى منطقة اوسع خرابا واكبر دمارا واكثر تخلفا وفقرا، حتى باتت (التقية) من التبريرات الشرعية والفقهية المذهبية اللامنطقة واللاعقلانية للاحزاب والمراكز الدينية السلطوية الشيعية لفرض النهب العملاق للموارد والاموال العامة العراقية، وفوق هذا العمل الشيطاني والقبض الهائل لعشرات ومئات المليارات من الدولارات لم تلجأ اي جهة حزبية او سياسية او حكومية شيعية للتعويض عن اهل الشيعة المتضررين مع شعبنا الكردي بالسابق، بل ابقت على نفس سياسة الحرمان والتخلف والفقر التي كانت سائدة من قبل النظام البائد على شعب الجنوب والوسط من العراق.
واليوم تخرج وزارة التخطيط بالاعلان عن نسبة الفقر بالعراق بالاحصائيات والمسوحات لعام 2018، لتثبت الحقبقة المقيتة عن فقر وتخلف العراقيين الشيعة ولتسجل الريبة والغرابة بشأن المحافظات الجنوبية لانها ترسم تخلفا تنمويا وارتفاعا بنسبة الفقر المدقع بحيث يصل المعدل تقريبا الى 26%، اي خراب هذا، بينما الاقليم يسجل اقل نسبة فقر 6.8% على مستوى كل العراق بالرغم من فساد السلطة والحزبين الحاكمين فيه، علما ان منطقة الجنوب والوسط لم تحصل فيها حروب ولا عمليات التحرير من داعش الارهابي مثل محافظات اخواننا السنة العرب التي سجلت نسبة فقر اقل 23.8%، وجاء في الارقام المعلنة عن مسح الفقر لعام 2018 ان محافظة المثنى تحتل المركز الاول مسجلة اعلى نسبة فقر 52%، تلتها الديوانية والعمارة وثم الناصرية، وكانت النسب على مستوى المحافظات كالاتي : دهوك 8.5%، السليمانية 4.5%، اربيل 6.7%، نينوى 37.7%، كركوك 7.6%، ديالى 22.5%، الانبار %17، صلاح الدين 18%، بغداد 10%، بابل 11%، كربلاء 12%، واسط 19%، النجف 12.5%، المثنى 52%،الديوانية 48%، ذي قار 44%، ميسان 45%، البصرة 16%.
ولا عبار عليه فان ارتفاع النسبة في السماوة والديوانية والعمارة والناصرية يشكل وصمة عار على جبين ساسة واحزاب ورجال الدين الشيعة لانهم حكام االسلطة ببغداد وكل مفاصل الدولة والحكومة والموارد المالية بايديهم، ولا ندري ان كانت هذه الواقعة الحياتية المريرة من ورائها حكام العراق ام حكام ايران، لان من غير المعقول ان تكون محافظات اخواننا الشيعة فيها خراب وفقر وتخلف وهم على كرسي الحكم، ويا للعار، الان بدأنا ندرك الاهمية الكبرى والضرورة القصوى لانتفاضة وثورة تشرين العراقية، واحسسنا بالحاجة الوطنية لازاحة الطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة المارقة التي لم تجلب غير الخراب والدمار لعموم العراقيين.
فمرحى للثورة ومرحى للثائرين وللثائرات، ومرحى للمتظاهرين وللمتظاهرات، وليخسأ الخاسؤن من حكام العراق.
التعليقات