في مايو ٢٠٠٩ اهتز جبل شمال غرب المملكة؛ وخلت شوارع محافظة قريبة منه اسمها العيص.

كنت حينها وفياً أكثر من اللازم لكاميرا الصحافي، وعاقاً أكثر من اللازم لمايعتلج في قلمي.

كانت لحظة حاسمة قررت فيها المضي بقرار شخصي للكتابة عن تلك المحافظة وأثر الزلزال عليها، أردت أن أشم رائحة الأرض هناك وأرى وجوه أهلها.
‏حينها كنت مصوراً جداً في صحيفة الحياة، وكنت محرراً اختبئ تحت اسم مستعار في بحار المنتديات والمواقع الإلكترونية ومنها "إيلاف".

قطعت أكثر من 1000 كلم لأصل هناك، كنت أعرف أين سأنشرها؛ لأن "إيلاف" وحدها فقط في ذلك الوقت التي حين تدخلها تستطيع أن تشعر بأنك تسمع وترى وتشم الشوارع والأزقة والمعامل ودهاليز الساسة وسوق الباعة وأردية المشردين، الوحيدة التي تشعر في إحدى زواياها بحرّ الصحراء؛ وفي ركن مقابل تتمنى لو كانت حبيبتك معك تحت المطر ونغزات البرد ، كانت هذه هي إيلاف.

المقالة الآن تهرب مني، أريد الكتابة عن "إيلاف" وأجدني أكتب عن "نفسي في إيلاف"، ولكني أعرف السبب جيداً، لأنها بُنيت وأقيمت أساساتها على مفهوم "الأنسنة" التي تعلمتها من صانعها والقيّم عليها عثمان العمير، ولذلك كل من عمل يوماً في "إيلاف" يفهم الآن كيف تعجنك هذه الصحيفة وسياستها لكي تجعلك "قصة" وسط تاريخها، أنت هناك لست محررا ولا مسؤولاً ولا صانع محتوى، أنت رواية تتجدد كل يوم حتى تكاد تكون الصحيفة إحدى طرق الحياة بكل مجالاتها.

أمضيت بعد "العيص" قليلاً حتى جاءني وسام شرف سأحمله ماحييت، قالوا إن عثماناً يريدك متفرغاً وليذهب اسمك المستعار إلى التاريخ.
‏كانت فرصة سرقت مني النوم ليلة كاملة وأنا احضر نفسي للمشهد الجديد "يوسف الهزاع" الصحافي مكتمل الأركان وليس "يوسف السعد" الذي أعرفه ولا أحبه.

أريد أن أختصر وأيام "إيلاف" تملؤني الآن.

بسرعة صرت مسؤولا، وبسرعة صار "الأستاذ" يسامرني ليلياً تقريباً بمقادير المطبخ اليومي، وبسرعة أيضا صار إقليم الخليج واليمن تحت إدارتي الصحافية، وبسرعة أكبر مضت الأيام حتى نهاية العام 2015 حين انتهى المشوار لأسلك طريقاً جديداً، كانت الاستقالة أصعب رسالة كتبتها حتى الآن رغم آلاف الرسائل التي كتبت ماوصل ومالم يصل.

إليك عثمان، إلى الذي يفعل كل يوم ماأريد فعله ولا أستطيع، إلى من "كُسر القالب" بعده، شكرا لأنك عثمان، وشكرا لـ "إيلاف"، ثم ألف شكر لأنني كنت هناك لسنوات.