أشاح عامل السوبر ماركت في وجهي، وقال: أين الكمامة سيدي؟ قلت: الكمامة في جيبي، فقد كان الجو خانقا لا يحتمل الخنق بالكمامة، قال: لا بل يجب أن تضعها هنا وأشار على أنفه وفمه، على الفور أخرجتها ووضعتها على وجهي، فمازلت مكمما حديث العهد .
الزبائن كلهم مكممون، لقد دخلنا هنا وفق قرار حكومة ولاية بافاريا في ألمانيا "التكميم" الإجباري، الكل مكمم، والنظام في ألمانيا يجب احترامه، ولا يمكن انتهاك القانون أو الالتفاف عليه، فالناس فور التعليمات يقومون بالاستجابة الفورية، وبديل الانتهاك هو توقيع العقوبات المالية.

شعور غريب أن تصبح بين يوم وليلة شخص مكمم، وتتحدث من وراء كمامة إلى مكممين مثلك، اختفت الوجوه التي نعرفها، وأصبح الوجه بالكمامة الإجبارية شيئا غير معتاد في بلد مثل ألمانيا لا تحكمه قوانين في حرية الأفراد في السلوك والملبس طالما لا يؤذي ذلك الآخريين.

قوانين الكمامة عديدة وليست مفهومة على نحو دقيق، إحداها على سبيل المثال عدم ارتداء الكمامة أثناء قيادة السيارة والمخالف يدفع غرامة فورية 50 يورو، أما في المتاجر والمواصلات العامة فيجب ارتداؤها والمخالف أيضا يدفع 60 يورو غرامة، أما في أماكن العمل والمكاتب والمنزل فالأمر متروك لحرية الاختيار.

لا عنصرية مع الكمامة فالناس أصبحوا متشابهين، وجوههم مختفية ورائها، فالأسمر يرتدي كمامة بيضاء والأبيض يرتدي كمامة سمراء، والكل متساوون أمام الكورونا ولا فضل لكمامة على أخرى، ولا لجنسية على جنسية أخرى إلا بالمناعة وحسن مقاومة الفيروس، المفارقة الغريبة اختفاء حملة مهاجمة وانتقاد السيدات المسلمات المنقبات بحجة حجب الوجه، فالجميع الآن رجال ونساء أصبحوا ملثمين بأمر السلطات.
الناس يسيرون في شوارع المدينة كأسراب بط متشابهين، اختفت تعبيرات الوجه، وحجبت الكمامة الابتسامات، والتكشيرات ، والتهجمات التي اعتدنا أن نراها في حياتنا اليومية هنا، فأنت لاترى إلا عينين جامدتين تحدقان في كمامتك وأنت تتحدث ، والكمامات أصبحت موضة الساعة هنا، منها أنواع وأشكال وأحجام شتى، فيها الغالي والرخيص، أما أفضل الكمامات فهي التي تضعها النساء على وجوههن، فهي الأكثر دقة وجمالا، فالمرأة هي المرأة، تبحث عن جمالها حتى ولو بالكمامة، فصنعتها بنفسها، وتفننت في حسن اختيار ألوانها، بالضبط كأنها تضع مكياجها في كمامتها.

تجارة الكمامات هي الأحدث في ألمانيا الآن، إعلانات عنها في كل مكان، في الطرقات وفي الإنترنت وفي الصيدليات وفي محلات الحياكة، عروض من كل شكل ولون وحجم.

خضت التجربة واشتريت كمامة مصنوعة من القماش، فهي الأفضل لآن الكمامة الطبية المصنوعة من الورق تتلف بسرعة ويجب عدم ارتدائها مرتين، أما التعليمات المصاحبة لكمامة القماش فيمكن استعمالها بدون حد أقصى، ويجب غسلها بعد كل ارتداء في درجة حارة 60 درجة، أو صب الماء المغلي عليها، أما الأستك أو ماسك الأذن ففي درجة 40 درجة مئوية.

عدد من دور الأزياء العالمية مثل شركة ديور الشهيرة في فرنسا وإيطاليا حولت خطوط إنتاجها إلى صناعة الكمامات المجانية، وأهدتها إلى الأطباء والعاملين في المستشفيات مساهمة في حمايتهم، كما شارك مصمموا الأزياء تصاميمهم على الإنترنت، وصمموا كمامات مثيرة تناسب الكرافتات للرجال، وحقائب اليد للسيدات، أيضا في محاولة لمساعدة الصم وضعاف السمع على التواصل مع بعضهم البعض.

نجحت طالبة أمريكية كذلك مع والدتها في صناعة أقنعة شفافة عند منطقة الفم لمساعدتهم على التواصل، وتم تسويقها على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية كلها.

منظمة الصحة العالمية شددت ونصحت بارتداء الكمامة خارج المنزل، أو في التجمعات في أماكن الخدمات العامة مثل المتاجر ومكاتب البريد ومحطات الوقود، أو حتى أثناء المشي من أجل ممارسة الرياضة مع الأخذ في الاعتبار مسألة وضع مسافة لا تقل عن متر ونصف بين الأفراد.

إن الأصل في ارتداء الكمامة ليس للحماية من خطر مهاجمة الفيروس، بل هو للحد من انتشاره إذا كان الفرد المكمم نفسه حامل له ، فالأطباء يقولون إن أكثر من 100 ألف من حبيبات الرذاذ تخرج من فم الشخص حين يتكلم أو يتنفس، وتعلق في الهواء في الأماكن المغلقة ، وفيما تسقط الحبيبات الكبيرة تبقى الأجزاء الصغيرة سابحة في الجو لفترات أطول.

إذا كنت بصحة جيدة، فليس مهما أن ترتدي كمامة، فقط في حالة إذا كنت ترعى شخصا مثلا مصاب بعدوى الفيروس، أو إذا كنت تعاني من السعال أو العطس فتكون ضرورية.
لا تكون الكمامات فعالة إلا إذا اقترنت بالمداومة على تنظيف اليدين إما بفركهما بمطهر كحولي أو بغسلهما بالماء والصابون بشكل دوري، وهناك ما يشبه الكتالوج في كيفية ارتداء الكمامة ، أولا يجب غسل اليد بمطهر كحولي أو بالماء والصابون قبل وضع الكمامة علي الوجه، عندئذ تأكد من إحكامها علي الوجه بحيث تسد كل الفجوات بينها وبين الوجه، ثم تجنب لمسها أثناء الاستعمال، وإن لمستها، فاغسل يديك بالمطهرات مرة أخرى، قم باستبدالها بأخرى جديدة بمجرد تعرضها للبلل، ولا تعيد استعمال الأقنعة المعدة لاستعمالها لمرة واحدة ، وعند عند نزع الكمامة يجب نزعها من الخلف ولا تلمس المقدمة، وتخلص منها فوراً برميها في حاوية مغلقة، ونظف يديك بعدها بالكحول.

حاولت أن أتبين جدية التعامل مع الكمامة وفقا لهذا البروتوكول فلم أجد أحدا يتقيد به، ومن تجربتي الشخصية فشلت في إبعاد اليد عن لمس الكمامة، فطول الوقت كنت أحاول أن اضبطها على الأنف، أو تحت الأنف لاستنشاق مزيد من الأكسجين.

في ألمانيا يشجع معهد روبرت كوخ المؤسسة المرجعية للصحة العامة المواطنين على ارتداء الكمامة حتى ولو كانت مصنوعة منزليا ، رغم أنه لا يوجد دليل علمي حتى الآن على أن الكمامة تحد من انتشار الفيروس، لكن ذلك لا يمنع من ارتدائها، أيضا أكاديمية الطب في فرنسا تطالب بفرض ارتداء الكمامة عند الخروج من المنزل خلال إجراءات العزل وتشجع على ارتداء الأقنعة البديلة .
بشكل عام الكمامة لا تحمي من الإصابة بالعدوى، لكنها تخفض من مصدرها، فإذا وضع كل الناس الكمامة فإن النتيجة بالتأكيد ستكون أكثر إيجابية بدونها.