بين الحرية والفوضى شعرة معاوية، فلا شك أن انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ساهم بشكل كبير في حرية التعبير في ظل الكبت الاجتماعي والفكري والسياسي، لكن هذه الحرية انحرفت عن المسار وباتت تشكل تهديدا حقيقيا على أمن المجتمعات واستقرارها.

ينبغي أن نؤكد أن المجتمعات الإنسانية عاشت مراحل من الاستبداد الفكري والاجتماعي والسياسي، وبدأت شيئا فشيئا تخرج من وحدوية الرأي الواحد إلى التعددية والتنوع مع التنظيم ووضع ضوابط لهذا التنوع الذي يعكس نوعا من الحرية، لكن مع ظهور الفضاء الافتراضي أدرك رواده أنهم في عالم يمكنهم أن يمارسوا حريتهم الفكرية بشكل أوسع، وهنا بدأ هذا العالم يشكل المتنفس الوحيد لإبداء الرأي في كل المجالات دون قيد أو شرط، لكن هذه الحرية تسببت في الكثير من التصادمات، وخلقت فوضى بدأت داخل هذا العالم وللأسف بدأت تشكل تهديدا على استقرار المجتمعات وأمنها.

*الفضاء الافتراضي سيف ذو حدين*

من غير المنصف أن نقلل من الإيجابيات التي منحها العالم الافتراضي لرواده، فهو فضاء اجتماعي للتعبير عن الأفكار المختلفة والمتنوعة في كل المجالات، ووسيلة للتواصل الفكري والاجتماعي بين مستخدمي هذا الفضاء، ولاشك أن زمن ما قبل السوشل ميديا كان أكثر تعقيدا، من حيث كيفية إيصال الأفكار والمعلومات، فالعملية تحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد، لكن مع ظهور مواقع التواصل الإجتماعي أصبحت الأمور بمتناول الجميع، فبإمكانك أن تعرض كل أفكارك بحرية كاملة، وهذا ما شجع الأفراد على الإقبال على العالم الافتراضي ونشر ما يرغبون فيه، وبدأ هذا العالم وإن كان افتراضيا يشكل جزء لا يتجزأ من حياتنا وواقعنا، بل أصبح يؤثر على حياتنا ويومياتنا وعلى مجتمعاتنا؛ إيجابيا وسلبيا، ولكن ما أثار المخاوف هو أن يتسبب سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في تهديد أمن واستقرار المجتمعات، وهذا ما يتطلب تدخلا لوضع حد، وكما يقول جون ستيوارت ميل: "السبب الوحيد الذي يجعل الإنسانية أو جزءاً منها تتدخل في حرية أو تصرف أحد أعضائها هو حماية النفس فقط"، وأنا أقول ليس فقط لحماية الفرد بل المجتمع ككل، تصوروا مثلا أن أحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي ينشر معلومات خاطئة وكاذبة وتنتشر بسرعة، ما يحدث بعدها بلبلة في العالم الافتراضي تنتقل بعدها كفيروس إلى العالم الحقيقي لتشكل انفجارا داخل المجتمع وفوضى عارمة تهدد استقراره.

*ضرورة وجود الرقابة الافتراضية والقوانين الصارمة لضبط الاستخدام السيء للسوشل ميديا*

إن الاستخدام السيء لمواقع التواصل الاجتماعي باسم الحرية المطلقة بات يشكل تهديدا حقيقيا على أمن المجتمعات واستقرارها الوطني، لذلك لابد من قوانين تضبط سلوك رواد ومستخدمي الفضاء الافتراضي، إضافة إلى رقابة افتراضية يخصصها أصحاب المواقع لوضع حد للتجاوزات والانتهاكات التي تضرب التماسك الاجتماعي، لذلك صدق الفيلسوف جون لوك عندما قال: "الحرية الكاملة هي التحرك ضمن القوانين الطبيعية وإمكانية اتخاذ القرارات الشخصية والقرارات بشأن الملكية الخاصة دون قيود، وكما يريد الإنسان، ودون أن يطلب هذا الإنسان الحق من أحد"، بل يجب أن يكون هناك وعي لدى رواد العالم الافتراضي لمحاربة الاستخدام السيء لهذه المواقع، لأنها مسؤولية الجميع، طالما تتعلق المسألة بأمن المجتمع ككل.