مقدمة لابد منها :

لا أخفيكم سراً باني ترددت كثيراً قبل الشروع في كتابة هذه المقالة بسبب قناعتي في عدم جدوى ما أكتبه من الحقائق كضحية وشاهد على جريمة العصر ـ الأنفال ـ لأناس فقدوا القدرة على التفكير بموضوعية و واقعية , أناس لايزالون يتعاملون معنا نحن الضحايا بروحية الجلاد الذي لايزال يشدد الخناق على الضحايا في عِراَقٍ يقال إنه ديِمُقراَطِي فيدرالي حَرَّ , ولكن كما يقول المثل ,نذكّر فلربما تنفع الذِّكْرَى .
تنص المادة 7 من الدستور العراقي على مايلي :

أولاً:- يحظر كل كيانٍ أو نهجٍ يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت أي مسمىً كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون.

المادة 7 من الدستور العراقي هي مادة واضحة ولا تقبل النقاش او التفسير, الا ان الكتل والاحزاب العراقية والشخصيات السياسية الذين كتبوا وصوّتوا على الدستورينتهكون اليوم بنود الدستوربحجج واهية والمضحك المبكي ان الكل يوكد على ضمان حقوق الفرد العراقي ولكن كلّ طرف منه بطريقته الخاصة وحسب مصلحته واجندة الدول الإقليمية التي تموله ولمصلحتها في وقت يتزايد الارهاب و الهجرة القسرية والعنف الطائفي المقيت الذي يحرق الاخضر واليابس حتى اوصل العراق الى كارثة حقيقية.

لقد مرت سنوات على سقوط الصنم بدون ان يحدث اي تغيير يذكر , الحكومة عاجزة عن تنفيذ خطتها ولا تفي بالتزاماتها الدستورية , تشخص الحكومة المشاكل وتضع الحلول ولكن تبقى حبراً على ورق ,تقطع الوعود ولا توفي , تتخبط وتراوح في نفس المكان , اما التدخلات الإقليمية في شؤون العراق فلا داعي ان اتطرق اليها لانها اصبح جزاً لا يتجزء من المعادلة العراقية .

صداميين الكورد :

الكل يعرف بان قطعان الجحوش ومستشاري الافواج وأمراء المفارز الخاصة ( صداميين الكورد ) ممن تلطخت اياديهم بدماء الشعب كانوا جزءاً لا يتجزّأ عن كبار ازلام النظام البائد من حاملي الانواط والاوسمة والنياشين الصدامية لمواقفهم الاجرامية تجاه ارضهم وشعبهم وتراثهم، مجسدين شرور النظام البائد وسمومه واجرامه بحق الانسانية وبحق الشعب والوطن .

وهنا من الضروري ان اطالب مجدداً الاحزاب والجهات الكوردية المتهمة باحتضان والتستر على القسم الاكبر من المتورطين الكورد من مستشاري وكبار منتسبي افواج الجحافل الخفيفة , المعروفين شعبيا باسم الجحوش المتورطين بضلوعهم في جرائم الأنفال التي نفذها النظام العراقي البائد في الثمانينات من القرن الماضي , الذين صدرت بحقهم مذكرات اعتقال من قبل المحكمة الجنائية العراقية العليا الخاصة بجرائم الأنفال منذ سنوات و تقدر عددهم بـ( 258 من مجموع 423 ) متهم مطلوب في قضية الانفال ,أطالب بفتح قضية مستقلة بحق هؤلاء المتهمين الذين وردت اسماؤهم أثناء التحقيق والمحاكمة في جريمة العصر (الأنفال) وتقديم اسماء وصور الهاربين منهم الى خارج الإقليم إلى الشرطة الدولية لالقاء القبض عليهم وتسليمهم إلى المحكمة الجنائية العراقية المختصة ومحاكمتهم جراء ما اقترفوه من جرائم الإبادة الجماعية , كما نطالب برفع الحصانة واعلان البراءة منهم ومن جرائمهم وعدم مساعدتهم ومساندتهم واحتضانهم بحجج واهية .
ان رؤية هؤلاء المتهمين احراراً وهم يتمتعون بالحقوق والامتيازات بعد ان تم احتضانهم من قبل الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني يتسبب بالام واحزان لذوي المؤنفلين والشهداء من جهة , ومن جهة اخرى يزيد الشكوك بمصداقية ووطنية الاحزاب الحاضنة لهؤلاء المتهمين .
وعليه نجدد الطلب و نقول بصوت واضح وصريح : على الاحزاب الكوردية التي تضم في صفوفها المطلوبين في قضية الانفال ـ الابادة الجماعية ـ ان تسلم الضالعين الذين ذكرت اسمائهم في جريمة الإبادة إلى العدالة وتعلن بشكل رسمي وعلني البراءة منهم ومن جرائمهم الشنيعة.

لا افلات من العقاب مهما طال الزمن :
ان جميع المتهمين الذين ارتكبوا جرائم الحرب و الجرائم الموجهة ضد الانسانية لا يمكن ان يفلتوا من العقاب بموجب اتفاقية (عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية)(1 ) وعلى الاجهزة العراقية المكلفة بمتابعة المطلوبين الهاربين ان يعتمدوها لأعتقال المتهمين و محاكمتهم امام القضاء لنيل جزائهم العادل .

العدالة يجب ان تسبق المصالحة :

من الضروري جداً الاستعانة بخبرات دول نجحت فيها المصالحة بين الضحايا والجناة , على سبيل المثال لاالحصر, الاستفادة والاستعانة بخبرات (لجنة الحقيقة والمصالحة ـ Truth and Reconciliation ـCommission) في جنوب أفريقيا والتي تشكلت برئاسة كبير الاساقفة دزموند توتو , حيث ما زالت عدة دول لا سيما في القارة السمراء، تستلهم تجربة "لجنة المصالحة والحقيقة والتي لعبت دوراً محورياً في انصاف الضحايا و اعادة اللحمة الوطنية وحققت نجاحًا منقطع النظير في مواجهة 40 عامًا من إرث التمييز العنصري ـ الابارتهايد ـ ، دون اهدار لحقوق ضحايا النظام السابق ودون حرمان الطبقة الحاكمة السابقة من فرصة اعادة تأهيلها.

وعليه ان لجنة الحقيقة والمصالحة، التي كانت الأولى بين تسعة عشر لجنة مشابهة في أرجاء العالم للاستماع للأقوال الضحايا والجناة وجهًا لوجه في جلسات استماع علنية في محاولة لتضميد جراح الماضي ، رآها الكثيرون كعنصر أساسي للانتقال إلى ديمقراطية كاملة وحرة في جنوب أفريقيا. وبالرغم من بعض الأخطاء، فإنه يُعتقد عموماً أنها كانت ناجحة لان العدالة سبقت المصالحة .

وهنا اقول للذين يطالبون بتفعيل مشروع المصالحة الوطنية مع البعثيين بدون قيد او شرط : لا تنجح المصالحة اطلاقا بدون تطبيق العدالة واحترام الضحايا والاعتراف بالجرائم التي ارتكبت ضدهم علنا منذ انقلاب شباط الاسود 1963 إلى يوم سقوط الصنم في 2003 , لاتنجح المصالحة بدون تقديم الجلاد للمحاسبة واعطاء الصلاحية شبه القضائية في منح العفو في ظروف معينة لمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان .

اخيرا اقول بملء الفم وأمام الملأ لكل الذين يريدون ان يخلطوا الاوراق عمداً, اقول ان المجرم سلطان هاشم وكبار ازلام النظام البائد لا يمثلون الجيش العراقي ومؤسساته الوطنية بل يمثلون جيش صدام العقائدي ويمثلون انفسهم وهم ليسوا الا بمنفذين صمّ مستفيدين من تنفيذ اوامرسيّدهم بالبطش والقتل، الذي سخر كل اموال العراق لحروبه ونزواته وقادسياته وانفالاته الدموية بحق الشعب والوطن .

نقول ونكرر ان المجرم سلطان هاشم يمثل النظام البائد وهو احد الذين نفذوا قرارات صدام حسين بارادته حيث وضع خطة الانفال ونفذها بكل اخلاص حسب اعترافاته امام المحكمة العراقية الجنائية العليا( راجع افادة المجرم سلطان هاشم والمجرم حسين رشيد التكريتي).
لذا ندعو الجميع وفي المقدمة الكتل والاحزاب الاشخاص الذين يطالبون بالافراج عن مرتكبي الجرائم وخاصة جريمة الانفال ان يدركوا بانهم وبتصريحاتهم غير المسؤولة يهينون كرامة الجيش العراقي ذاته، بطلبهم الافراج بدل مقاضاة مجرمي الحروب وابادة الجنس البشري الذين شاركوا صدام بملئ ارادتهم في جرائمه وحروبه وحماقاته وكانوا اداة لتنفيذ جرائمه التي لاتعد ولا تحصى والا كان باستطاعتهم كبعض القادة العسكريين الكبار الشرفاء، ان يتمردوا وينشقوا وينضموا الى صفوف الشعب من اجل الخلاص من صدام وحكمه المقيت .

وقبل ان اختتم مقالي أود الاجابة بأختصارعلى تعقيبٌ وصلني من السيد محمد على الجزء الاول من المقال يسأل فيه : (اذ كان سلطان هاشم متورط في الأنفال كما تدعون لماذا حاول هوشيار زيباري وجلال طالباني اطلاق سراحه ؟ )

اقول للسيد محمد :المجرم سلطان هاشم واخرين حكموا بجرائم الإبادة وجريمة (القتل العمد)(2 ) وجريمة (الاخفاء القسري)(3 ) وجريمة (النقل القسري )(4 ) استنادا إلى اطنان من الأدلة القاطعة والوثائق الثبوتية والكتب الرسمية والرسائل الموجهه إلى المجرم المعدوم صدام حسين من قبل (ابطال عملية الانفال) ومنه إلى كبار رموز القيادة الميدانية الذين كانوا يتلقون الاوامر مباشرة من صدام ـ علي الكيمياوي بحيث لم يستطيع المجرم سلطان هاشم خلال الجلسات المحاكمة ان ينفي او يطعن بما وجه اليه من التهم , طبعا لكثرة الوثائق المقروءة والصور والوثائق الصوتية والادلة الدامغة الاخرى, اما لماذا حاول الزيباري والطالباني إطلاق سراح المجرم سلطان هاشم طبعاً ( إذا صحّت المعلومة), اقول لك وبصراحة , هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم والا كيف يتجرأون ويطالبون بالإفراج عن مجرم أرتكب جرائم الإبادة بحق شعبهم وابناء جلدتهم ؟ استاذ محمد , للاسف في عراقنا اليوم , اصبح كل شيء ضحية الصراعات السياسية الرخيصة والصفقات المشبوهة والمناكفات بين الكتل والاحزاب على حساب حقوق الشعب العراقي المظلوم ومصلحة الوطن العليا . وليعرف الجميع , كل من يترحم ويتعاطف علناً أو سرّاً مع كبارازلام ورموزالنظام البعثي الفاشي ووحوشه الكاسرة , أشك في إنسانيته.

انتهى

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ اضغط على الرابط التالي للاطلاع على نص اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية

2 ـ تعتبر جريمة القتل العمد كجريمة ضد الانسانية وفق أحكام المادة (12 اولا أ) وبدلالة المادة (15 اولا وثانيا وخامسا) من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لسنة 2005 المعدل، وحددت العقوبة وفق احكام المادة (406/1/أ، ز) وبدلالة مواد الاشتراك (47، 48، 49) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل استدلالا بالمادة (24) من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا.
3 ـ تعتبر جريمة الاخفاء القسري للسكان المدنيين كجريمة ضد الانسانية وفقا لأحكام المادة (12 اولا ظ) وبدلالة المادة (15 اولا وثانيا) من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لسنة 2005 وحددت العقوبة وفقا لأحكام المادة (421) وبدلالة مواد الاشتراك (47، 48، 49) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل واستدلالا بالمادة (24) من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لسنة 2005.
4 ـ تعتبر جريمة النقل القسري للسكان المدنيين كجريمة ضد الانسانية وفق احكام المادة (12 اولا د) وبدلالة المادة (15 ثانيا أ، ب، ج) والبند ثالثا ورابعا من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لسنة 2005 وحددت العقوبة استنادا لأحكام المادة (478) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل استدلالا بأحكام المادة (24) من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لسنة 2005 المعدل وبدلالة مواد الاشتراك (47، 48، 49) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969.