الإنسان يُولَد بلا دين وبلا أي معتقدات، هذا هو الرأي الفلسفي والعلمي والديني(والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً)، أي أن عقل الإنسان عبارة عن(صفحة بيضاء) كما يسميها جون لوك.

لا أريد أن أخوض هنا في مفهوم الفطرة وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم(كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه)، لأن الموضوع سيتجه إلى منحى آخر وهو خلاف ما أريده في هذا المقال.

في الواقع سألت نفسي مراراً وتكراراً هل أنا بالفعل مؤمن بوجود الله وأعتنق الإسلام لأنني ولدت في أسرة ومجتمع مؤمن ومسلم؟ وهل لو كنت في الهند مثلاً سأكون هندوسياً؟ أو في اليابان فأكون بوذياً؟

هذا الأمر قد يبدو كذلك عند البعض، خصوصاً مِمَّن لا يبالون إطلاقاً بقضايا الإيمان عموماً، لكنه لا يكون بهذهِ الصورة عند من يستهويهم البحث عن الله ومحاولة الوصول إليه. بدليل أننا نرى حالات ونماذج تنتقل من دين إلى آخر، والبعض يرتد عن الأديان بالكلية ليكون ربوبياً فحسب، أو يتوقف عن اتخاذ القرار فيكون لا أدرياً. وقبل أن أجيب على السؤال الذي طرحته على نفسي أود أن أشير إلى رأي أتبنَّاه شخصياً وأعتقد به على الأقل حتى الآن، حيث أنني أرى أن الله واضح بنسبة 50% وغامض بنسبة 50%، وأرى أن هذا الوضوح والغموض بتلك النسبة هو من حكمة الله وتمام عدله، لأنه لو كان واضحاً بشكلٍ تام فإن الجميع سيؤمن لا محالة، ولو كان غامضاً تماماً لن يؤمن به بشر قط.
أجيب الآن على سؤال لماذا أنا مؤمن مسلم:

عقلي ووجداني يميلان إلى التسليم بوجود الله، لا يمكن أن أتخيل لوهلة أن الله غير موجود! كذلك قضية موت الإنسان تجعلني أتشبَّث أكثر بأن الله موجود حقاً، لأنني أشعر أن هناك برنامج ونظام مُعد بُدءاً من خلق الكون والإنسان إلى أن يموت، هذهِ جعلتني أختار الإيمان بالله عن قناعة وليس لأني وُلدت في وسط مؤمن، أما ما جعلني أبقى على الإسلام فهو القرآن الكريم، عندما أقرأ القرآن أو أستمع له أشعر أن هذا الكلام ليس عبثياً أو مجرد نصوص كتبها إنسان(لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله).

في فترة من حياتي توقفت عن آداء الصلاة، لكني لم أنقطع عن سماع القرآن، وبفضله رجعت للصلاة، فالقرآن بالفعل كما وصفه الله(إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم).

قضية الإيمان والإلحاد قضية معقدة، ويبدو أن الأمر يتوقف على الهداية الإلهية. وليس للعلم أي دور في قيادة الناس نحو الإيمان، فالمسألة ليست مسألة منطق وعلم لإثبات وجود الله أو البرهنة على صحة دين معين، لأن المعجزات الكاسرة لقوانين الطبيعة أبلغ من لغة العلم والمنطق، ورغم ذلك لم يؤمن أصحاب المائدة عندما أنزلها الله عليهم من السماء، كذلك فرعون لم يؤمن رغم الأدلة التي ظهرت أمامه وشهدها بعينيه وحواسه.

بل إنني أرى أن من يحاول إثبات وجود الله بالعلم والمنطق يسيء لله وللدين من حيث لا يشعر، لأن العلم صناعة بشرية يعتريها النقص والقصور، لذا فإن الطريق الوحيد للتسليم بوجود الله هو الوحي وليس العلم، لأن هذا الوحي صناعة إلهية خالصة، والوحي هنا أعني به القرآن العظيم. هذا هو رأيي الذي أنا عليه الآن، قد تطرأ مستجدات أخرى تُحدِث تأثيراً على قناعاتي كما أحدثت تغييراً على غيري، فنحنُ أولاً وآخراً بشر، عقولنا ومشاعرنا محكومة بالتغيرات من حولنا، فالتغير في كل شيء حتى الأديان خاصية وطبيعة بشرية، لذا نجد أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء رغم أنه معصوم (يا مُقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك). الواعظ الأمريكي يوسف استس اعتنق الإسلام وترك المسيحية، عبدالله القصيمي العالم المسلم السلفي ترك الإسلام والإيمان بالكلية واختار الإلحاد (بحسب رأي البعض)، الإعلامي المغربي رشيد ترك الإسلام وذهب للمسيحية، وهكذا؛ يجب أن نلتمس الأعذار لهم، يجب أن نعلم أنهم أحرار في تلك القرارت، يجب أن يتوقف كل إنسان عن القيام بدور الله على هذهِ الأرض، لم يُخوِّلك الله بهذا، يجب ألَّا نعادي إنساناً أو نكرهه لأجل دينه أو معتقده، يجب أن تندثر عبارة(أحبك في الله)، فإن لم تحبني لذاتي فأنا غني عن محبتك.