ورد في الموسوعة السياسية أن المواطنة هي: "صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بتأدية الواجبات التي يفرضها عليه انتماؤه إلى الوطن". وفي قاموس علم الاجتماع تم تعريف المواطنة: "بأنها مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي (دولة)، ومن خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول (المواطن) الولاء، ويتولى الطرف الثاني (الدولة) الحماية، وتتحدد هذه العلاقة بين الفرد والدولة عن طريق أنظمة الحكم القائمة. ومن منظور نفسي، المواطنة هي الشعور بالانتماء والولاء للوطن، وللقيادة السياسية المنتخبة التي هي مصدر الإشباع للحاجات الأساسية وحماية الذات من الأخطار المصيرية، وبذلك فالمواطنة تشير إلى العلاقة مع الأرض والوطن".
ظل مفهوم المواطنة مفهوما بدائيا حتى عصر التنوير، حين قام رموز عصر التنوير من أمثال هوبز ولوك وروسو ومونتسكيو وغيرهم من الفلاسفة بطرح مفهوم آخر للمواطنة يقوم على العقد الاجتماعي ما بين أفراد المجتمع والدولة أو الحكم، وعلى آلية ديمقراطية تحكم العلاقة بين الأفراد أنفسهم بالاستناد إلى القانون الذي يتساوى أمامه الجميع. ومن أجل منع استبداد الدولة وسـلطاتها نشأت فكرة المواطن الذي يمتلك الحقوق غير القابلة للأخذ أو الاعتداء عليها من جانب الدولة، فهذه الحقوق هي حقوق مدنية تتعلق بالمساواة مع الآخرين، وحقوق سـياسية تتعلق بالمشاركة في اتخاذ القرار السياسي، وحقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية، وحرية الاعتقاد والتدين.
تعد المواطنة أحد المصطلحات الحديثة نسبيًا في عالم السياسة، على الرغم من وجود إرهاصات لها منذ أيام الفلاسفة اليونانيين مثل أفلاطون وأرسطو عندما تحدّثا عن المواطن في أثينا، وقد بدأ التنظير لها منذ منتصف القرن الماضي تقريبا، كما أنها أصبحت إحدى الكلمات المفتاحية للعلوم السياسية والتاريخ في العقد الأخير من القرن ذاته. وتشكل المواطنة حاليًا موضوع الساعة بما تتضمن من تحديدات للعلاقة بين المواطن والدولة من خلال الواجبات والحقوق.
المواطنة تقتضي مساواة الأفراد أمام القانون والدستور، ما يعني حصول المواطن على حقوقه كاملة وأداء واجباته على اكمل وجه، من دون تمييز أو مضايقة أو إلغاء أو تهميش. والحقوق تضمن له حق المشاركة في المجتمع السياسي أو المدني كما تضمن له ممارسة حقوقه المتنوعة الأخرى. فالمواطنة إذا تتعلق بالمساواة الكاملة لجميع المواطنين للمشاركة في الحياة السياسية والعامة، أي أن ركني المواطنة هما المساواة والمشاركة. وبذلك ففي دولة المواطنة جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم بسبب الاختلاف في الدين أو النوع أو اللون أو العرق أو الموقع الاجتماعي.
المواطنة إطار يستوعب الجميع، فهو يحافظ على حقوق الأكثرية والأقلية في نطاق مفهوم المواطنة الجامعة، والمواطنة هي المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن الصبغات الدينية أو المذهبية أو القبلية أو العرقية أو الجنسية. فكل مواطن له جميع الحقوق وعليه جميع الواجبات، والمواطنة الحقيقية لا تتجاهل حقائق التركيبة الثقافية والاجتماعية والسياسية في الوطن، ولا تحدث تغييرا في نسب مكوناتها، ولا تمارس تزييفا للواقع، وإنما تتعامل مع هذا الواقع من منطلق حقائقه الثابتة، حيث توفر البيئة الصحية والخصبة لتكوين ثقافة الوطن التي تتشكل من تفاعل ثقافات أبناء الوطن، وهي التعبير الطبيعي عن حالة التنوع والتعدد الموجودة في الوطن.
المساواة المدنية هي المبدأ الذي يوجب معاملة جميع الأفراد معاملة واحدة من حيث دعوتهم إلى القيام بالواجبات الملقاة على عواتقهم، ومن حيث تمتعهم بالحقوق المعترف لهم بها في القانون، دونما تفريق بينهم بحسب نسبهم وحسبهم أو ثروتهم أو طبقتهم. وأما المساواة السياسية فهي المبدأ الذي يعترف لجميع الأفراد بحق الاشتراك في الحكم، وبحق تسلم الوظائف العامة بما فيها رئاسة الدولة، وفق الشروط التي يحددها القانون، والتي يفترض أن تكون خاضعة لمبدأ المنافسة أو الانتخاب الحر، دونما تمييز بينهم حسب طبقاتهم أو انتمائهم الإثني أو الديني أو المذهبي، حيث يكونون متساوين أمام القانون لا يختلفون إلا من حيث كفاءتهم واستحقاقهم أو جدارتهم. فإذا نصّ القانون على خلاف ذلك وجب على المواطنين مقاومته.
كما ان المواطنة والديمقراطية مفهومان لا يمكن الفصل بينهما. فالمواطنة تعمل على تقوية الديمقراطية الاجتماعية التي تسمح للمواطنين بالاندماج في الشأن العمومي، واستمتاعهم بجميع الحقوق والحريات من دون تمييز. أما الديمقراطية السياسية فتضمن مشاركة المواطنين في إدارة الشؤون السياسية لبلدهم، وتقلد المناصب الوزارية، وعضوية البرلمان، وغيرها من مؤسسات الدولة. ويعتقد بعض المفكرين أنه لا يمكن الحديث عن المواطنة والديمقراطية في أي بلد من دون اعتماد العلمانية كنمط سياسي للحكم.
وبما أن قضية المواطنة تمثل محورا رئيسًا في النظرية والممارسة الديمقراطية الحديثة، فإن تحديد أبعادها وكيفية ممارستها ينبع من الطريقة التي يمنح بها هذا النظام أو ذاك حقوق المواطنة للجميع، ومدى وعي المواطنين وحرصهم على التمسك بهذه الحقوق وأداء الواجبات. كما أنّه لا يمكن الاعتماد على مبادئ عامة محددة لتحديد معنى المواطنة بشكل دقيق، فهو مفهوم تاريخي شامل يختلف من زمان إلى آخر، ومن مكان إلى مكان، ويتأثر بالنضج السياسي والرُقي الحضاري للدولة.
المواطنة تعطي الإنسان صفته الوطنية والإنسانية، لأن الانتماء إلى بلد ما في المنظومة العالمية هو في الوقت نفسه انتماء إلى العالم. المؤسف أن هذا الفهم بمستوييه الوطني والإنساني بما يتضمنه من حقوق وطنية وإنسانية أمر منقوص الحضور والتطبيق والممارسة في البلدان العربية بسبب تغليب أنظمة الحكم للواجبات على الحقوق كافة.
- آخر تحديث :
التعليقات