في ظل استمرار تردي الخدمات الأساسية واستشراء الفساد والمحسوبية والولاء الحزبي المقيت وتزايد أعداد البطالة وخاصة بين فئة الشباب وارتفاع معدلات الطلاق والانتحار والتفكك الأسري وهجرة الشباب إلى الخارج والتقشف و ادّخار وتأخير الرواتب في إقليم كوردستان، تجددت المطالبة (القديمة الجديدة )(1 ) من قبل هيئة متكونة من النشطاء والنخب السياسية والشخصيات المجتمعية في إدارة السليمانية بتحويل محافظة (السليمانية وحلبجة وادارتي كَرميان ورابه رين، الغنية بالموارد والثروات الطبيعية ) إلى إقليم مستقل.
واتساقاً مع ذلك، قال العضو الفاعل في هيئة تحويل السليمانية إلى إقليم مستقل الدكتور بيارعمرعبدالله في مؤتمر صحفي عقد في مقر الهيئة في مدينة السليمانية في 9/ 1 / 2021 ، قال: ( ان المشروع المذكور يتكوّن من ثلاث مراحل ،هي : رفع وتيرة التعبئة الشعبية( الترويج ) وجمع التواقيع وتقديمها إلى مفوضية العليا للانتخابات في العراق لتوفير المستلزمات اللوجستية والفنية لإجراء الإستفتاء، وإذا تحقق التأييد بنصف زائد واحد، فتتحول المحافظة الواحدة أو أكثر إلى إقليم ).

وعن اسباب مطالبة محافظة السليمانية بالإنفصال عن إقليم كوردستان قال عبدلله : ( إن الإهمال الحكومي وعدم إعطاء السليمانية (الشريك الهامشي لأربيل ) استحقاقها المالي والسياسي يؤكد حاجتنا إلى تكوين إقليم السليمانية الذي من خلاله يتم رفع المستوى المعيشي والخدمي وتقليل الحيف والغبن والمظلومية على المواطنين ).

ولفت عبدلله في معرض حديثه إلى أن : (المواطن في إدارة السليمانية يحس بغبن وتهميش بسبب عدم وجود انصاف في توزيع الميزانية للمحافظات من قبل حكومة الإقليم).
احزاب غنية وشعب فقير :
تشير احصائيات وزارة الموارد الطبيعية في حكومة اقليم كوردستان بأن حجم الغاز الطبيعي في الإقليم يُقَدّر بحوالي (5،7) ترليون متر مكعب، وان أغلب المواقع التي يُستَخرَج منها الغاز تقع ضمن حدود محافظة السليمانية ، أضافة إلى ذالك ،يشكل الاحتياطي النفطي لمحافظة السليمانية حوالي 35 مليار برميل.وان انتاج النفط في السليمانية يتراوح بين 40 الى 50 ألف برميل يومياً.

تمتلك السليمانية مليونين و 800 ألف دونم من الأراضي الزراعية اضافة الى 110 دونم من البساتين و مليون و 660 ألف من رؤوس المواشي و 800 حقل دواجن و ثلاث الاف دونم مخصصة لأحواض تربية الأسماك، اضافة إلى سدين كبيرين هما سد دوكان و سد دربنديخان. كما يوجد في السليمانية قرابة ألف معمل تشكل نسبة 30 % من الصناعة في العراق.

ترتبط السليمانية مع الجارة السيئة (إيران ) عبرعدد من المعابر والمنافذ الحدودية الرسمية منها : منفذ باشماخ ، وهو من المعابر الكبيرة، بلغت إيرادات المعبر خلال العام الماضي 200 مليون دولار.ومعبر بيرويزخان الذي يدرّ 300 مليون دولار سنوياً، كما أن معبر كَرمك تفوق إيراداته الـ 12 مليون دولار. وحسب تصريح عضو مجلس إدارة غرفة التجارة الايرانية العراقية، حميد حسيني في (31 آب 2020 ) ،أن نحو1500 شاحنة تنقل السلع الايرانية إلى إقليم كوردستان يومياً.

هناك ايضا معابر ومنافذ غير الرسمية بين الطرفين ،تدخل عبرها سيارات المواشي والبضائع والحديد والسيراميك والمنتجات المعدنية والبلاستيك والفواكه والخضروات وحتى الممنوع والمحظور والتي توفر أموالاً طائلة تذهب إلى جيوب الفاسدين وخزينة الأحزاب السياسية.

كما تقدَّر ايرادات مطار السليمانية الدولي بمليارات الدولارات سنوياً دون أن تخضع للإجراءات القانونية والرقابة والتفتيش.
وعلاوةً على ذلك ،ان لإيران 5 منافذ تجارية وسياحية اخرى مع محافظة حلبجة وهي : كيلي وشوشمي وطويلة والشيخ صالح وبشته.
الدستور العراقي أتاح إنشاء الأقاليم ولكن!

تنصّ المادة 119 من الدستور العراقي على أن لكل محافظة أو أكثر الحق في تكوين إقليم بناءً على طلب بالاستفتاء عليه، يُقدّم الطلب بإحدى الطريقتين: طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم، أو طلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم.

وبما ان الطريقة الاولى غير ضامنة ،لان مشروع اقلمة السليمانية لا يملك حالياً أي دعم حزبي أو حكومي في (مجلس محافظة السليمانية) (2 )( حسب الهيئة )، فبالتالي تم الاعتماد على الفقرة الثانية من المادة 119 من الدستور العراقي ، اي جمع 30 ألف توقيع والذي يشكل نسبة 2% من مجموع ( مليون و500 الف ناخب) حسب مكتب انتخابات السليمانية.

و يرى خبراء القانون، ان الهيئة المذكورة تمارس حقها الدستوري باقتراح تشكيل إقليم مستقل لمحافظة السليمانية ضمن عراق موحد ارضاً وشعباً ، ويرون ان من حق السليمانية ايضا أن تضغط باتجاه المطالبة بالإقليم وربما من الممكن أن يتحسن حال المحافظة بعد ذلك بدلاً من الاعتماد على بغداد واربيل، مؤكدين أن مثل هذه الخطوة لن تزعزع كيان الإقليم الاقتصادي والسياسي كما يخشى البعض.

في المقابل ، يرى اخرون ان مشروع إقليم السليمانية ليس سوى ورقة ضغط يستخدمها الهيئة المذكورة بدفع من قيادة الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير (أصحاب النفوذ والقرارفي السليمانية ) لتحقيق مكاسب سياسية من جهة ،ولتبرير فشلهم والتنصّل من مسؤوليتهم عن الوضع المزري واستمرار الصراعات الكبيرة والعميقة بين الاخوة الاعداء من جهة ثانية، رغم شراكتهم مع الديمقراطي الكوردستاني في أدارة الإقليم.

وان تجاهل وعدم تبنّي مشروع أقليم السليمانية من قبل مجلس محافظة السليمانية الذي يشكل الاتحاد الوطني الكوردستاني و حركة التغيير اغلبية فيه ،هو خير دليل على ذلك.

هل هناك معوقات دستورية أمام تحويل محافظات إقليم كوردستان إلى اقاليم مستقلة؟
للإجابة عن السؤال أعلاه ، التقيت بالخبير القانوني وعضو لجنة كتابة الدستور العراقي في الجمعية الوطنية العراقية لعام 2005 الدكتور منذر الفضل وسالته : هل هناك معوقات دستورية امام تحويل محافظات إقليم كوردستان إلى أقاليم مستقلة كما يقال هنا وهناك؟
اجاب الدكتور منذر الفضل قائلاً : ( طبقا للنص الدستوري التي جاء فيها ما يلي : المادة 119 : ( يحق لكل محافظةٍ أو أكثر، تكوين إقليم بناءاً على طلبٍ بالاستفتاء عليه، يقدم بإحدى طريقتين:

أولاً:- طلبٍ من ثلث الأعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم.

ثانياً:- طلبٍ من عُشر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم ).

وعليه في ضوء التفسير الدستوري فان المحافظة سواء منفردة او اكثر لها الحق في تكوين إقليم مستقل اذا توفرت الشروط ومنها طلب بالاستفتاء وموافقة ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات ، أو طلبٍ من عُشر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم كما هو وارد في الفقرتين اولاً او ثانياً من المادة 119 من الدستور.

ومن جهة أخرى فان طلب الاستفتاء يعرض الطلب على مجلس البرلمان الاتحادي الذي تقرر مصير الطلب ).
واضاف : (كما تعلم ان إقليم كوردستان مثلاً حين قررت حكومة الإقليم ان تكون دهوك محافظة ومن ثم حلبجة محافظة أيضا فان الموافقة جاءت من مجلس البرلمان الاتحادي.

بناء على ذلك فان تحويل محافظات إقليم كوردستان إلى أقاليم مستقلة لا توجد معوقات دستورية لان النص الدستوري واضح ولأنه يستوجب طلب الاستفتاء عليه وفقا لما بيناه من احد الطرق الواردة في المادة 119 من الدستور وموافقة مجلس البرلمان الاتحادي ).
حقيقة لابد ان تُقال :

على الرغم من إصراراللجنة على تحويل السليمانية إلى إقليم مستقل، ووضوح المادة 119 من الدستورالعراقي، الا ان تكوين إقليم السليمانية او اي إقليم اخر بدون موافقة بغداد والدول الإقليمية والدولية هو مجرد “حلم” لا أكثر.

على سبيل المثال لا الحصر، ان رفض إنشاء إقليم البصرة الذي يُنتَج فيها 80% من نفط العراق. من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 لحد عام 2018 عندما وقّعت غالبية أعضاء مجلس المحافظة الذي يعبر عن رأي الشارع البصري والجمهورعموماً على طلب تحويل البصرة إلى إقليم مستقل ،هو خير دليل وبرهان على ذلك.
بقي أن اختتم مقالي هذا بالقول:

ان المشاكل الرئيسية التي تعاني منها محافظة السليمانية وإقليم كوردستان بشكل عام هي مشاكل متمثلة باستشراء الفساد والمحسوبية والولاءات الحزبية و السيطرة على مقاليد الحكم من قبل قيادات الاحزاب الفاسدة التي حوّلت الإقليم لقطعة من الجحيم ،وعليه بدل المهاترات والمزايدات السياسية التى لا طائل من ورائها، لابد من الالتفات إلى حلول عاجلة تلبي مطاليب الشعب الاساسية والتي لايمكن التنازل عنها، هي : خبز ، حرية ، عدالة اجتماعية.

فيا ايتها الأحزاب السياسية ( الديمقراطي والاتحاد والتغيير ) ،يامن اثقتلم كاهل الشعب بالديون ، ماذا قدمتم خلال 30 سنة من الحكم الذاتي السياسي والاقتصادي بعيداً عن العراق، ماذا قدمتم لشعبكم غيرالوعود الزائفة البراقة أيام حملاتكم الإنتخابية؟ ماذا قدمتم غير حُفنَة من الوعود والمزيد من الوعود الكاذبة؟ ماذا قدمتم لفقراء الوطن؟ ماذا قدمتم للشعب غيرالمزايدات السياسية والصراع والاقتتال من اجل فرض الإرادة والادارة الحزبية و الشخصية و العائلية والعشاشرية في إقليم كوردستان؟

إصحوا يا اصحاب الضمائر الميتة من غفلتكم وإفتحوا أعينكم جيداً لتروا الحقيقة كما هي قبل فوات الأوان!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يعتبر مؤسس حركة التغيير نوشيروان مصطفى صاحب فكرة اقلمة محافظة السليمانية ، حيث لعب مصطفى خلال كتابة الدستور العراقي في عام 2005، عندما كان نائباً للسكرتير العام للاتحاد الوطني الكوردستاني، لعب دوراً رئيسياً في تثبيت عدة مواد دستورية كانت جميعها تسَهِّل عملية أقلمة المحافظات.

2 يتكون مجلس محافظة السليمانية من 32 عضواً.يمتلك الاتحاد الوطني الكوردستاني 11 معقداً والتغيير 12 معقداً فيه ، اما الديمقراطي الكوردستاني المعارض للمشروع يمتلك 3 مقاعد و الاتحاد الاسلامي الكوردستاني مقعدين و الحركة الاسلامية الكوردستانية مقعدين و التحالف الوطني الكوردستاني مقعد واحد ، وقائمة الرافدين مقعد واحد..