التمرد أيا كانت التسميات ثورة إحتجاجات ظاهرة عرفتها كل الشعوب وشدت إهتمامات الباحثين والدارسين تحت نظريات كثيره ابرزها نظرية الحرمان النسبى والتوقعات.

ولعل ابرز الدراسات والتى عنوان المقال مستقاه منها دراسة الباحث والعالم السياسى الأمريكى تيدر روبرت غير وعنوانها "لماذا يتمرد البشر؟".

تركز هذه الدراسة على نظرية الحرمان النسبى وما يرتبط بها من سلم التوقعات الذى يتجه دائما نحو الأعلى وقدرة النظام السياسى على تلبية وإستجابة هذه التوقعات. وعرف العنف السياسى بأنه جميع الهجمات الجماعيه الموجهة ضد النظام السياسى وأطرافه الفاعله كالمؤسسات الأمنية أو ألإقتصادية.ويتوف على حجم العنف وحجم المشاركة والقوة التدميرية وطول المده وهى عوامل إن وجدت قد تنجح حركات التمرد.

عموما لدينا نموذجان سياسيان النموذج والذى يسود فى الدول الديموقراطيه والمتقدمه وذات انظمة الحكم الرشيده وهى النظم التى لديها درجة عاليه من القدرة والإستجابه فتحقق درجة عاليه من الإستقرار، ومن خلال توفر الطرق السلمية والشرعية كالإنتخابات للتعبير عن مطالب المواطنيين وتوصيلها لصانعى القرار. والنموذج الثانى ونجد أمثلته فى العديد إن لم يكن أغلبية دول العالم الثالث حيث قدرات النظام فى تراجع لأسباب تتعلق بالفساد وسؤ الإدارة والرغبة الإستبدادية فى الحكم والسلطة وإستئثار السلطة فى يد فئة قليله. والنتيجة الحتمية التمرد والثورة والذى قد يصاحبها حالة من العنف والإرهاب والتفسخ الإجتماعى وإنتشار ثقافة الكراهية والحقد والعنف.

عوامل كثيره تسرع التمرد أو تعمل على إحتوائه، أولا الشرعية السياسية والتى تعنى القبول الشعبى لمن يحكم، فالحكومات الشرعية نادرا ما تكون هدفا لحركات التمرد أو إنتفاضة وثورات الشعوب لأنها تعمل تحت أعين شعوبها، وبالعكس الحكومات التى تفقد شرعيتها بسبب فقدانها لمصادر الشرعية سواء التقليدية أو العقلانية من خلال الإنتخابات، مثل هذه الحكومات تكون عرضه لحركات التمرد والغضب الشعبى. سبب ثان هو إنعدام العدالة الإجتماعية وتفشى الظلم وتفاوت فجوات الغنى والفقر سببا رئيسا للتمرد، فالعلاقة طرديه بين الفقر وعدم القدرة على الإستجابة للحاجات الإنسانية والتى على مدار عامل الزمن تصل لمرحلة الإنفجار والغضب الشعبى.

هذا والفرضية الأساسية للكتاب هي أن فكرة العنف السياسى يتولد من رحم ردة فعل غير عقلانيه إزاء حالة الشعور بالإحباط والكبت، فالإحباط والكبت يتولد عنه العنف إما بالإنتحار الفردى وهى ظاهره شائعه او العنف الجمعى نحو الحكومات او من يحكم ، وحتى نحو الطبقات التى تحتكر المال والثروة.

مما يساهم اليوم فى نشر وتحول حالة العنف والإحباط إلى حالة جماهيرية وسائل التواصل الإجتماعى، وأيضا عامل الهوية والإنتماء الإجتماعى مثل شعور أقليات معينه بالتمايز العنصرى والتمايز فى الحقوق كما راينا مثالا حديثا فى الولايات المتحده بقتل المواطن الأميركى الأسود جورج فلويد، وبوعزيزى فى تونس والذى كان لإنتحاره بحرق نفسه الشرارة العامة التى كانت وراء ما عرف بإسم ثورة التحولات العربية والتى تفاوتت من دولة لأخرى.

عكست حالة الحرمان النسبى وكشفت حجم التناقضات والفجوة التى تظهر داخل النظام السياسى بين التوقعات والحاجات والتى تتسم بالتطور السريع بسبب زيادة العامل السكانى وزيدادة نسبة الفقر، وبين قدرة النظم السياسة وتراجعها لأسباب تتعلق بالفساد وسؤ الإدارة والثروة.

وكما أشار غير فى كتابه كلما كان تبرير الناس المعيارى للعنف أكبر زاد إحتمال مشاركتهم فى العنف السياسى أكبر.حالة الحرمان النسبى توصف لنا حالة التمرد والإحتجاج الشعبى ، هذا ولا يقتصر ربط العنف السياسى بالعلاقة بين الحاجات والقدرة على تلبيتهـا ، بل أيضا قد تكون الدوفع والمحددات غير ماديه مثل العدالة والظلم وغياب الحرية والحكم الديموقراطى والرشيد والتمايز العنصرى والأثنى والعقيدى.

لعل السبب الرئيس فشل الدولة او السلطة المركزية فى تحقيق حالة من الإندماج والإنصهار المجتمعى تعبر عن نفسها فى المواطنه الواحده والإنتماء الوطنى. فتسود حالات من التفسخ الإجتماعى وضعف المواطنه والشعور بحالة من الغربة فى الوطن. او أن يشعر المواطن أن الوطن ليس له بل لمن يملك المال والحكم.

إلى جانب نظرية الحرمان النسبى هناك أكثر من نظرية مثل نظرية الصراع الطبقى فى الفكر الماكسى وهذا ما ركز عليه بارينغتون مور وأطروحته ان الثورات تحدث عندما يكون هناك صراع طبقى داخل المجتمع.واستند فى ذلك على الصراع بين الطبقات الأرستقراطيه والطبقات الفلاحية فى أوروباوالتحول إلى المجتمعات الصناعيه.

نظريات تعبئة الموارد وتركز على عنصر التنظيم الذى يعتبر ضروريا لفهم ديناميات الأفعال الإجتماعية مثل الدفاع عن طموحات الإنسان. والتركيز على دور الأفراد كالناشطين والجمات مثل الحركات والجماعات الإسلامية كالأخوان التى تستقيد من حالة الحرمان والفقر والإحباط.

يبقى أنه بقدر رشادة الحكم وإستجابته لحاجات المواطن والعمل على سد فجوة الفقر وتقليض أساليب القوة والقمع وبقدر نشر ثقافات التسامح ونبذ العنف والكراهية وبقدر شرعية الحاكم بالإنجاز بقدر التغلب على حركات التمرد... وهذا ما أستفادت منه كثير من الدول العربية.