كوجبة بائتة غير صحية .. تجد الروح مذاق الحياة حين تشعر باغترابها عن ذاتها ومحيطها!
لا تملك إلا أن تمضغ منها لقمة تقيم صُلْبك، فما تزداد صلابتك إلا انهيارا، ولا إرادتك إلا انكسارا.

للأرواح أيضًا غربة.. غربةٌ عميقةٌ موحشة، وليست مثل غربة الأجساد.. إنها غربة صعبة من طراز صعب، تكلف الروح أقسى الأهوال دون أن تُجَشِّمَها أهوال السفر والترحال!
ثمة غربة، وثمة اغتراب..
الغربة حالة مكانية تتلاشى بعودة الغائب إلى أهله ودياره ..
أمّا الاغتراب .. هو انفصال عن الذات والعالم وشعور بالغربة فيهما ولو كان المرء بين أهله وفي عُقر داره!
في دراسة للدكتور عبدالكريم خالد بعنوان «الاغتراب في الفن» يتتبع علاقة الإنسان بالاغتراب، ويقرر أن بدايته الأولى كانت منذ بدء الخلق.. منذ خروج آدم من موطنه الأول الجنة، والحكم عليه بالبقاء في العالم السفلي .. ( السافل إن صح التعبير ) .
ستمدح الغربة المكانية بأعذب قصائد المديح متى قاسيت ويلات الاغتراب، وستغبط المغتربين وتتمنى أن تغترب في أقصى الأرض متى انفتح الباب الخلفي لروحك، ولَفَحَتْكَ أعاصير الاغتراب!


ستعرف أن الله حق -وهو الحق سبحانه - حين يسلبك اغتراب الروح ملذات الحياة في الوقت الذي يكون فيه كل شيء ملكك وحولك ورهن إشارتك!
حينما تستوطن الغربة روحًا ما .. تنطفئ البسمة من محيّاها، ويُظلِم العالم في ملامحها، وتتغير عليها المذاقات!
هل شاهدت رجلًا ما منطفئ الشغف تمامًا، ذابل الملامح، بريق الحياة في عينيه يبدو خافتا باهتا؟!
تسمع من خلال صمته حديثًا كريهًا طالما اجتنبتَ سماعه، وترى من ملامحه مجلس عزاء يَترحَّم فيه الحاضرون على أنفسهم أكثر مما يترحمون فيه على راحل يغبطونه على الرحيل؟!
يقول د. محمود رجب في كتابه «الاغتراب: سيرة ومصطلح» واصفاً الشعور التعيس الذي يعانيه الواقع في اغتراب الروح: «شعور تعيس ينجم من ضغوط الحياة يشعر الإنسان فيه بالانفصال عن ذاته انفصالاً يصبح معه غير قادر على التناغم والانسجام لا مع نفسه، ولا مع الذين حواليه»!
ويؤكد د. حليم بركات في كتابه «الاغتراب في الثقافة العربية» أن الاغتراب معضلة الإنسان الحديث، وأزمة تتنامى طرديا كلما ازددنا مادية، وابتعدنا عن سلام الحياة.
أحيانًا يلتهم الاغتراب روحَ إنسانًا ما جراء خيبة عاشها بكل وجدانه، وفي أحايين كثيرة لأن روحه مرهفة، ويا لقسوة الحياة على الأرواح المرهفة!

وكما أن للأرواح غربة، كذلك للأرواح أوطانٌ تأنس بها، وتستقر فيها مثل طيور وادعة في أعشاشها.
ثمة أرواح مفعمة بالحياة والمحبة، لو بحثتَ عنها لوجدت أن وطنها طفلة ترتب روح أبيها لتبقى مشعةً كل يوم
وأرواحٌ أخر أوطانها أمهاتٌ يُلَطِّفْنَ أكدار الحياة بصلاواتهن كل سَحَر.. لهن في السماء ما ليس لغيرهن في الأرض، وأرواحٌ أوطانها حسنُ ظنٍ بالله، لا ضرها أو يضرّها ما فقدت أو كسبت…
إذ أنّها دومًا وأبدًا ترتع في روض الله وعليائه.. بحسن ظنّها بالله عز وجل وبصدق التوكّل عليه سرًّا وجهرًا وفي كلّ مكان وكلّ زمان لا تزال متمسكة بحبل الله المتين الذي لا يلين ولا ينقطع.
حين أتفكر بالأرواح المشرقة أدعو الله أن يرزقني وإياكم أرواحًا لا يعرف الاغتراب إليها طريقا ولو لم نجد من ملذات الحياة غير الكفاف، حتى ولو كان أحدنا غريبًا في أقصى البقاع ، وتحت أي ظرف …
يااااااا الله
سعادة دائمة ونعيم مقيم وشعور فردوسيّ عُلْوِيّ … أن تمتلئ روحك بالرضا والطمأنينة والأمن والحب.. حب الله ورسوله ﷺ ..
حب الخير وحب الناس وأن تعيش كامل حياتك بحب …..
قفلة

على أنني أحيا حياةً كريمةً
وحوليَ أحبابي وأهلي ومعشري

أُحِسُّ بأني في اغترابٍ ووحشةٍ
وأني متى تَصْفُ المنى أتكدّرِ
معاناةُ روحٍ يَعلمُ اللهُ أنها
على الخَلْقِ لم تَجْهَلْ ولم تتجبَّرِ

ولكنني من عهدِ جديَ آدمٍ
أَحِنُّ لفردوسي وطِينةِ جوهري