أصبت بخيبة أمل بعد الاطلاع على تفاصيل الرسالة التي بعثت بها حماس الى المخابرات المصرية بخصوص المصالحة الفلسطينية، خاصة بعد قراءة جملة الشروط التي تطرحها الحركة من أجل "التطبيع" مع حركة فتح وانهاء الانقسام الداخلي وكان ابرزها اعادة تشكيل القيادة الوطنية العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية بحيث تضم جميع القوى والفصائل والشخصيات الوطنية من خلال الانتخابات وهو شرط يبدوا انه سيصطدم بعارضة قياديي فتح باعتباره تدخل في الشأن الداخلي للمنظمة في توقيت سيخلط الأوراق مجددا ويهدد بظهور انقسامات وتيارات داخل المنظمة لا تقدم ولا تؤخر في الملف في الأساس، بل تزيد من تعقيده.

إذا أراد طرف افشال أية مفاوضات فليبدأها بشروط مسبقة، هكذا سيجبر الطرف الاخر على الرد سلبا ويتنصل بذكاء من تحمل المسؤولية، هذا ما نقرأه من شروط حماس وعدم جديتها في المضي قدما نحو المصالحة، وهي تعلم تماما أن السلطة الفلسطينية ليست مستعدة للذهاب في مرحلة انتقالية ليست الا كسبا للوقت في صالح حماس، كما تضمنت شروط حماس تكرارا لموقف السلطة الفلسطينية بشأن اجراء الانتخابات في القدس وكأنها تريد ان تنسب هذا القرار لها، مع أنه قرار قد أكده الرئيس الفلسطيني محمود أبو مازن، مرار وتكرارا في كل مرة يطرح فيها موضوع الانتخابات، أي أن حماس لم تأتي بالجديد. كما أن إصرارها على اشتراط اصلاح داخل منظمة التحرير الفلسطينية أو إعادة تشكيلها قد يؤدي الى اسقاط القانون الأساسي لمنظمة التحرير ودخول المنظمة في طريق مظلم لا يحمد عقباه.

تدرك حماس أنها موقفها الدولي ضعيف ومهتز ومع ذلك تصر على رؤيتها في تشكيل حكومة ستضعف موقف السلطة الفلسطينية في حد ذاتها وهي التي تتمتع بدعم دولي وعلاقات احترام ودعم لا تشوبها شبهة الإرهاب، وهي كفيلة في جلب أكبر عدد ممكن من الدعم الدولي لجهود الاعمار وإعادة بعث الحياة في غزة، ان الرؤية التي تتبناها السلطة بتشكيل حكومة تكنوقراط لم تأتي من عبث بل هي قراءة سليمة للوضع الداخلي من دون والموقف الدولي منها، في حين تعتبر حماس نفسها تعيش في جزيرة معزولة لا تتأثر بالمواقف الدولية بل تعتبر أن العالم سيتعامل مع سياسة الأمر الواقع وهي قراءة خاطئة في الأساس.

لقد مرت نصف سنة منذ نهاية الحرب الأخيرة ولم نشهد أية تقدم لموضوع الاعمار ولا حتى لبوادر انفراج أزمة، ولم تسهل حماس مهمة الاعمار كما وعدت بل خرجت من لقاء القاهرة بشروط جديدة عرقلت مساعي السلطة الفلسطينية في التخفيف من معاناة شعبنا في غزة، ثم فسرت رفض السلطة الفلسطينية لتحويل الأموال القطرية عبر بنوكها على انه خيانة وخدلان لها، وهي التي لم تقبل يد العون التي امتدت من رام الله في الاشراف على عمليات الاعمار الكبرى وإمكانية ان تتحصل السلطة الفلسطينية على غلاف مالي دولي في هذا الشأن، ولم تكلف نفسها شكر السلطة الفلسطينية على موقفها إزاء القرار البريطاني والذي أكدت فيه السلطة رفضها لاعتبار المقاومة إرهابا، ولكنها تشكر مرارا وتكرارا ايران على دعمها بالمال والسلاح.

سيضل ملف المصالحة الفلسطينية يراوح مكانه، إذا استمرت حماس في التعامل مع الملف على أساس أنه اقتسام الكعكة وعلى أساس وضع نفسها كقطب مواز للسلطة الفلسطينية، يكفي فقط رؤية نتائج السياسات الخاطئة لحماس على أرض الواقع وتقييم حجم الضرر الذي تسببت فيه داخل القطاع وداخل البيت الفلسطيني لفهم أن حماس هي الأولى بإعادة الإصلاح وتقييم نهجها وما إذا كان باستطاعتها الاستمرار في هكذا ظروف يفرضها المحتل وتفرضها تبعات قرار غير سليمة، وان كانت حماس تصر على اعتبار أي صوت ينتقدها من الداخل أو الخارج على انه خيانة وعمالة، فلتعترف انها تختزل الوطنية في اسمها، ولتدرك انها مثل المغرور الذي يتغاضى عن عيوبه ليصل به المطاف الى القضاء على نفسه، يفترض أن يقوم أعضاء حركة حماس بنقد ذاتي لنتائج سياستهم وتصحيح مواطن الخلل، وقبول الحلول التي تقدمها السلطة ويتقبلها المجتمع الدولي اذا ارادت أن تساهم في بناء الدولة الفلسطينية لا تهديمها.