لنقف جميعاً مع الخبير الأول في الدرسات الكوردية وأحد أعلام المصريين الذين أفنوا حياتهم في دراسة الوضع الكوردي والحديث عنه في المصر والعالم العربي، السيد رجائي فايد في محنته:

منذ فترة ليست بالوجيزة انقطعت أخبار صديق شعبنا المعروف والخبير المصري الأول في الدراسات الكوردية السيد رجائي فايد عنا، والاكثر من هذا اقلقني غيابه اللافت عن العديد من المحافل الرسميّة العربية والعراقية والكوردستانية، وهذا بحد ذاته شيء غريب حقاً، لان ليس من عادته أن يغيب على الأقل ليس لهذه المدة الطويلة، وخاصة ان السيد فايد هو انسان نشط ويكتب بقلب حارعن الاوضاع والتطورات السريعة التي تشهدها العراق وإقليم كوردستان والمنطقة بشكل عام، وخاصة كما يقول السيد فايد :أن فواجع المنطقة لا يبدو لها نهاية فنحن نخرج من مأساة لننزلق فى مأساة أخرى.

و للاطمئنان على السيد فايد وللسؤال عن سبب غيابه عنا، قررت يوم أمس ان اتصل به كواجب اخلاقي وانساني .

للاسف تبين خلال مكالمتي مع السيد فايد بانه يعاني من مرض طارئ ابعده عن الساحة السياسية مرغماً، وعاتبني عتاباً مراً وقال نصاً : (بصراحة عتابى على القيادة الكوردية، ولهم ممثل فى القاهرة، لم اجد لهم اي اتصال بى، رغم تاريخى الطويل معهم ومع القضية الكوردية، وهذا مايضاعف من الام مرضى)!

وأثناء حديثه تأملت وجهه وعيونه، شعرت بأن هناك حزن عميق، عميق جداً، ولكنه حزن نبيل، قلت له : أرجوك يا سيد فايد، لا تيأس وأنا على ثقة من أن مثلك يصعب أن يعرف اليأس طريقاً إلى نفوسهم، استمر في العلاج وكل القلوب معك، وأن الشعب الذي وقفت معه في محنته، من صلب واجبه ان يقف معك على الأقل دعاءاً بالصحة والسلامة والتوفيق.

السيد رجائي فايد، عربي منصف له تاريخ طويل في التعريف بالقضية الكوردية في المصر والعالم العربي:

في لقائي الاخير معه قبل مرضه قال السيد فايد : (منذ أن انصرفت عن كل شيء، وتفرغت للمسألة الكُردية دراسة وبحثا وكتابة، وذلك منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي، واكتشافي أنه لايجب إهمال هذه المسألة، بل يجب التعامل معها بإيجابية، ومحاولة فك طلاسمها في العقل العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص،لأنه في ظل حالة التجهيل التي كنا فيها، تفاقمت هذه المسألة، بل وأصبحت تشكل خنجرا في الخاصرة العربية، وتوصلت إلى أنه من الواجب إنشاء كيان مؤسسي وفق القانون المصري، يعمل على فهم المسألة بدلا من إهمالها، وكنت على يقين من أن مابيننا من إيجابيات أكبر بكثير من السلبيات، وكانت الخطوة الأولى هي المشاركة في اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار العربي الكردي، والذي نظمته اللجنة المصرية للتضامن (برئاسة الأستاذ أحمد حمروش رحمه الله)، ثم شاركت بإيجابية في جلسات المؤتمر، وقدمت ورقة بحثية بعنوان (المسألة الكردية والأمن القومي العربي)، وعقد المؤتمر بنجاح في مايو 1998، وشاركت فيه الأحزاب الكردية العراقية ونخب عربية وكردية أخرى، فيما بعد ساهمت في جمعيات ومراكز وفضائيات في حوارات عن هذه المسألة، لكن بقي الحلم الشخصي المتعلق بإنشاء كيان يتولى هذه المسألة (الفهم والتقارب)، ووجدت في تأسيس جمعية للصداقة المصرية الكردية هذا الكيان، وتقدمت بأوراق التأسيس، والتي شملت أسماء مصرية هامة من أساتذة جامعات وكتاب وصحفيين، واستدعيت من قبل جهات أمنية لمناقشتي في الأمر، وانتهت المسألة بالرفض، وعلمت أن وراء الرفض حكومتي تركيا والعراق، لموقفهما حينئذ من المسألة الكردية، وحدثت متغيرات هائلة على المنطقة، فحكومة البعث في العراق قد سقطت عام 2003، والحكومة التركية تغير موقفها تجاه المسألة الكردية، ولم تعد عند موقفها الصارم السابق، رغم العديد من التحفظات على هذا الموقف، وشعرت أن الوقت قد أصبح ملائما لتأسيس كيانا جديدا، لكن كان هناك سؤال يواجهني، هل مازال الوقت ملائما على المستوى الشخصي لمثل هذا الأمر؟، أم أن الزمان قد مضى، فقد وصلت إلى مرحلة الشيخوخة، والمسألة كلها بضع سنوات أو شهور حتى أودع الدنيا،وأن تأسيس كيانا كهذا هو مسؤولية الشباب،خصوصا أن تناول المسألة الكردية حاليا لم يعد فيه أي قدر من المخاطرة، ولن يستدعي من يقوم به إلى أي جهة أمنية وكما حدث معي، وعشت طويلا في هذه الحيرة، إلى أن هداني إلى السير في طريق تأسيس هذا الكيان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو قامت الساعة وفي يد أحد منكم فسيلة فليغرسها)، وعرضت الفكرة على بعض الأصدقاء المقربين، وتحمسوا لها كثيرا وشجعوني على القيام بها، وبالفعل تقدمت للسلطات المختصة بأوراق التأسيس، وتمت الموافقة على تأسيس مركز بحثي يحمل اسم (المركز المصري للدراسات والبحوث الكردية)، وحتى لايكون هذا المركز عملاً فردياً يرتبط بمؤسسه فقط، فقد قررت تشكيل مجلس أمناء يضم نخبة مرموقة من أساتذة الجامعات في الحضارتين الفارسية والتركية، فضلا عن العربية، وصحفيين وكتاب، ولأن المركز رغم أن هويته مصرية إلا أنه من الواجب أن يضم بعض الكتاب من كرد العراق وسوريا وإيران وتركيا، وبالفعل، تشكل مجلس الأمناء بهذا الوضع في 26/1/2015.

ومن الجدير بالذكر ان المركز هو هديتي لفكرة التقارب المصري والعربي مع شركاء الماضي والحاضر في السراء والضراء، والذين نتمنى أن تظل شراكتنا معهم، بل وتتدعم، من أجل الهدف الأسمى، وهو الأمن والاستقرار في المنطقة، والإنصراف إلى البناء والتنمية وإسعاد الإنسان، بدلاً من العنف والهدم وإراقة الدماء ).

الخذلان مُميت حقاً :

اخيراً اقول : على القيادة الكوردستانية ان تقوم بواجبها وتقف مع صديق شعبنا الخبير المصري والعربي في الشؤون الكوردية السيد فايد في محنته .

اقول لهم بصوت واضح وصريح : لاتخذلوا السيد فايد الذي أحبكم بصدق ووقف معكم وقدم اجمل سنوات عمره في خدمة قضية الشعب الكوردي .

نعم ..ان أقبح شعور يشعر به المرء عندما يتعرض للحذلان والاهمال ممن وقف بجانبهم واحبهم وناضل من اجل نصرة قضيتهم .

واعرفوا جيداً ان رد الجميل واجب أخلاقي وانساني ووطني .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رجائي فايد ، أحد أعلام المصريين الذين أفنوا حياتهم في دراسة الوضع الكوردي والحديث عنه في المصر والعالم العربي ، من مواليد طنطا 1943 جمهورية مصر العربية ، كاتب ومحلل سياسى مصرى ، ورئيس المركز المصرى للبحوث والدراسات الكوردية ، وعضو المجلس المصرى للشؤون الخارجية، عاش مع عائلته في مدينة ( اربيل ـ هه ولير ) اكثر من 9 سنوات كاملة بدءأ من أول مايو 1979 حتى 26 اب 1988 ،عمل في التخطيط والمتابعة بالمنشاة العامة للدواجن في ( هه ولير) وثم في مديرية الثقافة الجماهيرية . الف كتاب بعنوان ( اربيل 88 هه ولير 99 حتى لا تضيع كوردستان ) ،سجل فيه انطباعاته عن زيارته إلى إقليم كوردستان ومقارنتها بالماضي . له شهادات وابحاث عن حلبجة والانفال والجرائم البعثية الاخرى على سبيل المثال لا الحصر عمليات تنفيذ أحكام إعدام جماعية ورمياً بالرصاص لشباب كورد في وسط مدينة اربيل. صادق كل القيادات الكوردية في الإقليم وخارجه ،يلتقي السيد فايد في زياراته بقادة العراق وإقليم كوردستان ويسجل انطباعاته عن الوضع العراقي والكوردستاني بشكل خاص . له دور كبير في استمرار الحوار العربي الكوردي .