تعتبر ثقافة التسامح خصلة انسانية نبيلة بحيث لا يشارك الإنسان في هذه القيمة الجليلة إلاالباري عز وجل. وهو بمعني آخر أن يلجأ المرء الى نسيان آلام الماضي وأهواله ومصائبه والتخلص من عذاباته وتأوهاته وندمه، وما حل به سالفا بحلوه الضئيل ومره الكثير وفتح آفاق جديدة في معترك الحياة واتجاهاتها السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية والدينية. وكأن هذا التصرف المتسامح النابع من المسامحة ورحابة الصدر انبعاث جديد للحياة وقيمها واستنافها بكل حكمة وحماسة غير مصحوبة بحقد أو كره أو غضب وحزن بل مقرونة ومصحوبة بجرعات من التدفق والأمل والتفاؤل والرحمة والتقبل والتقدير للحياة مع احترام كامل للسنن والقوانين السماوية والمدنية المتبعة.

إن المتصفح للتأريخ البشري على بينة كاملة أن كردستان كانت وما تزال من بين الارض والبلدان والاقاليم الأكثر تسامحا وانفتاحا في المنطقة حيث عاش ويتعايش في نسيجه الاجتماعي الصلب حتى الان ديانات ومعتقدات دينية وفكرية متعددة الالوان والتوجه واستطاعت هذه التجربة الفريدة أن ترسم لنفسها بكامل مكوناتها وأطيافها وأعراقها المتنوعة مسارا ديمقراطيا سلميا تتشابك فيه العلاقات الايجابية وتتداخل فيه تفاصيل والوان الحياة اليومية كلوحة فسيفسائية جميلة زاهية الالوان خاصة في باب احترام المقدسات والرموز الدينية لكل المكونات الموجودة في كردستان والعراق والمنطقة على اختلاف خارطتها السياسية واعتبار هذا المعتقد والاحترام الراسخ لمقام الرموز الدينية العليا أحد العناصر والركائز والمباديء الأساسية في أذهان المجتمع الكردستاني وفي ثقافة ومباديء شعب كردستان في مختلف الحقب التاريخية سواء في المدن أوفي القرى.

ولو عدنا الى كتاب «رسالة فى التسامح» لمؤلفه الفيلسوف (جون لوك) وهو أحد الحماة المدافعين عن التسامح والتعايش السلمي فإن الكاتب يضع لنا مجموعة من الضوابط والمقاييس الفكرية التى لا يمكن تجاوزها حتى يصبح التسامح صفة إيجابية وعاملا مؤثرا ومنفذا للتعبير والبناءالصحي عن الذات والمجتمع الإنساني.. وعدم الانزلاق قطعا إلى الخطأ أو اللا مبالاة أو رمي الاحكام جزافا؟ أو حتى ما هو دون ذلك بكثير وهو ما لاحظناه فى وقعة الاحداث الاخيرة في موضوع ممارسة الاساءة بحق المرجعية الدينية العليا في العراق بعدما اعتبر اقليم كوردستان والحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة مسعود بارزاني ومن خلال رسالة موجهة الى الرأي العام الاساءة بحق المرجعية والمقدسات
الدينية تصرفا متطفلا وتجاوزا للخطوط الحمراء واعتبارها من السلوكيات المنحرفة التي لا تنسجم ولا تناسب ولا مكان لها في ثقافة ومباديء شعب كردستان ونهج الحزب الديمقراطي الكوردستاني بالذات مؤكدا (أن شعب كوردستان كان ومازال
يقدر ويحترم بقوة الرموز الدينية والتاريخ العريق المتبادل من الصداقة الحميمة والاحترام الاخوي المتين الذي كان يربط الزعيم الكردي التأريخي ملا مصطفى البارزاني وآية الله الحكيم والشهيد الصدر كخير دليل على ذلك)... ولكن الذي يؤسف له وبكل أسف استغلال البعض لما حدث من تجاوز ولوقع هذا الحدث العفوي الاليم من قبل سلوكيات معارضة مستغلة للاحداث خلف خيط دخان بحيث تضمنت تغطيتهم للحدث المؤسف إلى استخدام ألفاظ وتعبيرات منحطة وخارجة عن المألوف ضد شعب كردستان والحزب الديمقراطي الكوردستاني وهو ما جعل من القضية برمتها وسيلة للانتقام المبطن الخارج عن الآداب ضد اقليم كردستان والرئيس مسعود بارزاني في حين سعيا دائما الى السلام مع الذات والمقابل على امتداد تاريخهم الحضاري كأساس للاعتراف بثقافة المقابل ... وهكذا وبكل أسف صار الحديث منحرفا عن مساره الصحيح الى عما يليق وما لا يليق؟! .

لذا فإن الكتابة تستلزم علينا القول أن التسامح والعيش بسلام مع الطرف المقابل يستلزم الاحترام والتقدير والتقارب بين الشعوب والامم وفقاً لمنطوق النصوص المقدسة الواردة في الكتب السماوية والاعراف الانسانية الكريمة والتعاون في نطاق الدائرة الإنسانية المشتركة التي يعود نفعها على الجميع دون المسَاس أبدا بالخصوصيات الشخصية والدينية والسياسية والثقافية والفكرية أوانتهاك هذه الحرمات؟ وعلى هذا الاساس سعت كردستان دائما الى اعتبار التربية والبناء على أساس التسامح السياسي والديني والمذهبي والتعايش السلمي بين المكونات غاية إنسانية نبيلة تسعى المؤسسات المدنية والدينية الكوردستانية بكل طاقاتها الى استمرارها وتطويرها أكثر وهي تنطلق من الدائرة الأوسع نورا أي الدول والشعوب إلى الدائرة المتوسطة أي الجماعة فالأصغر أي الأسرة وصولاً إلى الفرد الكردستاني نفسه. فلا تتحقق قيمة الإنسان ولا يشعر بحياته ما لم يشعر بالسلام والتقبل والتفهم من الآخرين له.

وفي الختام لا بد من القول إن الحاجة إلى ترسيخ وتكريس مبدأ التعايش السلمي في العراق ضرورة ملحة دائمة خاصة في المرحلة الحالية لما وصلنا إليه مع الاسف بعد سنوات من مظاهر العنف وأدواته؟ بشكل مباشر وغير مباشر سواء عن طريق الحركات المتطرفة القومية منها والدينية والمذهبية أو عن طريق التدخلات الخارجية؟ لذا باتت الدعوة لأهمية التعايش السلمي بين أطياف الشعب العراقي والوانه وثقافاته المتنوعة الغنية بالاصالة والحضارة هدفاً ومبتغى في آن واحد خاصة في هذا التوقيت الحساس دون أن يتم تهميش قومية أو ديانة أو مكون أو مذهب دون آخر؟؟. وأن يكون التعايش بكلّ صوره وممارساته الإيجابية قائماً ومصاناً من قبل الجميع.

وهنا يجب أن نؤكد بكل اعتزاز وفخر وباعتراف السواد الاعظم؟ على أن اقليم كردستان العراق هو واحد من الوجهات الحضارية المعروفة التي تستهوي الباحثين عن الأمن والاستقرار والازدهار والتعايش الاخوي السلمي لما يوفره هذا الشعب المزدهر للكل بمعية نسيجه الثقافي والمجتمعيمن حرية دينية وأمن داخلي وفرص متعددة للاندماج والعيش الحر الرغيد .