تحدثت تقارير إعلامية غربية في الآونة الأخيرة عن اعتذار قدمه وزير الخارجية الأمريكية انتوني بلينكن، خلال اللقاء الذي عقد نهاية مارس الماضي بالمملكة المغربية، إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عن تأخر رد الفعل الأمريكي حيال الهجمات الحوثية التي تعرضت لها أبوظبي خلال شهر يناير الماضي، وهذا التطور في غاية الأهمية لأنه يعكس بالدرجة الأولى وصول الشريكين، الإمارات والولايات المتحدة، إلى أرضية تفاهم مشتركة تسهم بالتاكيد في ذوبان الجليد وإزالة أي سوء فهو وعودة العلاقات إلى مسارها الطبيعي.
إن أهمية هذا التطور لا تكمن فقط في الاعتذار الأمريكي، رغم دلالاته النوعية، بل في إستيعاب الإدارة الأمريكية الحالية لبواعث إستياء أحد أهم شركائها الشرق أوسطيين، لاسيما أن الأمر بالنسبة لدولة الإمارات لا يتعلق بالرد على هذه الهجمات، فالإمارات قادرة على ذلك بكل تأكيد، ولكن بإستجابة شريك ينتظر منه إبداء موقف وردة فعل تتناسب مع مستوى الشراكة الإستراتيجية والأهمية الفائقة التي تمثلها علاقات البلدين بالنسبة لبعضهما البعض وليس لطرف دون الآخر.
من تابع ردود الأفعال الدولية التي أعقبت الهجمات الحوثية، يدرك ببساطة مدى الإحترام والتقدير والدعم الإقليمي والدولي الذي تحظى به دولة الإمارات، لأسباب وإعتبارات معروفة للجميع، وتتعلق أساساً بسياسات الإمارات وحرصها الدائم على الأمن والاستقرار والسلم الدولي، وفي ظل ماسبق لم ترتقي إستجابة واشنطن لمستوى توقعات كل من يعرف عمق وضخامة المصالح الإستراتيجية بين الإمارات والولايات المتحدة.
صحيح أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان قد أدان "بشدة" الهجوم الحوثي على منشآت مدنية إماراتية، واصفاً إياه بالإرهابي، مؤكداً التزام بلاده بأمن دولة الإمارات، واعداً بمحاسبة الحوثيين، والوقوف إلى جانب الشركاء الإماراتيين في مواجهة هذه التهديدات، ولكن الواقع أن واشنطن لم تخطو خطوة كانت تنتظرها دولة الإمارات، ويتوقعها الكثير من المراقبين العارفين بمستوى الشراكة بين البلدين، وهي تلك الخاصة بإدراج جماعة الحوثي على قوائم الإرهاب الأمريكية بعد أن تأكد لها طيلة الفترة الماضية خطأ الرهان على أن رفع اسم الجماعة من التصنيف الذي أدرجتها فيه إدارة الرئيس السابق ترامب، لم يكن صائباً، ولم يسهم لا في تسهيل سبل البحث عن تسوية سياسية للأزمة اليمنية، ولا تخفيف معاناة الشعب اليمني من خلال إستمرار تدفق المساعدات الإنسانية كما كان يُعتقد. وماحدث أن الولايات المتحدة وقعت مجدداً في فخ حسابات المصالح الخاصة دون مراعاة مصالح شركائها المهمين، وآثرت عدم الاقدام على إدراج جماعة الحوثي مجدداً على قوائم الارهاب الأمريكية، وتصحيح موقفها الذي اتخذته بشكل متعجل في بدايات تولي الرئيس بايدن الحكم، وذلك رغم أن مستشار الأمن القومي الأمريكي نفسه وصف الهجمات الحوثية بالإرهابية، وكأن من يقوم بأعمال إرهابية ليسوا بإرهابيين، أو يحتاج توصيفهم إلى دراسة متأنية كما برر البيت الأبيض موقفه من هذه الخطوة وقتذاك!
فيما أعتقده فإن اللقاء بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وانتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي كان مهماً للغاية، ليس فقط لأنه أعاد العلاقات الثنائية إلى مسارها، ولكن بالأساس لأن مثل هذه اللقاءات تبدو ضرورية للغاية في هذه التوقيتات الحساسة حيث تمر علاقات الشركاء بفترات اختبار صعبة، تحتاج فيها بالأساس إلى نقاش وحوار يتسم بالصراحة والمكاشفة وتبادل لوجهات النظر بما يسهم في تصويب الأخطاء ومراجعة المواقف لإستعادة زخم الشراكة ومنحها قوة دفع جديدة.
وإذا كان كل ماسبق حقيقياً ويطابق الواقع الذي يتابعه الجميع، فإن من المهم الإشارة إلى أن أي سوء فهم أو برود أو خذلان من جانب شريك للآخر، ليس له علاقة بالتأكيد بموقف دولة الإمارات بشأن الأزمة الأوكرانية، فكل خطوة تخطوها دولة الإمارات في علاقاتها الدولية محسوبة بدقة فائقة، وتخضع لمراجعات ودراسات متأنية، محورها الرئيسي هو حسابات المصالح الإستراتيجية الإماراتية والحرص على "البوصلة" ممثلة في الثوابت والمبادىء والأسس التي ترتكز عليها السياسة الخارجية للدولة منذ تأسيسها، وليس منطقياً أن يتوقع أحدهم أن تجازف الإمارات بخسارة مصالحها مع قوى كبرى، كالصين وروسيا، من أجل إرضاء شريك دولي آخر، لسبب منطقي هو أن دولة الإمارات تعتمد نهج قائم على بناء علاقات متوازنة مع جميع دول العالم، بما فيها القوى الكبرى، ناهيك عن أن العلاقات الدولية باتت من التعقيد والتشابك بحيث يبدو مستحيلاً ان تمضي في مسارات متوازية لا تتقاطع، ففترة الحرب الباردة والمحاور والتحالفات بمظلتها الأيديولوجية القديمة لم تعد قائمة، والولايات المتحدة نفسها تتحاور مع روسيا فيما يخص إيران، وتقف ضدها فيما يخص أوكرانيا، وهناك دوائر وأوساط أمريكية ـ سياسية وحزبية وبحثية ـ تتفهم ذلك جيداً.
الخلاصة أن أزمة أوكرانيا قد وضعت علاقات الولايات المتحدة مع العديد من حلفائها وشركائها الإستراتيجيين في اختبار تحمل صعب، ما كان يتطلب بالضرورة نقاشاً يقود إلى تصحيح المسار واستئناف مسيرة التعاون بشكل ربما يكون أقوى من سبق.
التعليقات