يمكننا القول إن العراق يقف على حافة الهاوية بعد نتائج انتخابات أكتوبر 2021 فالشعب العراقي كان عازفاً عن المشاركة وقاطع الانتخابات بنسبة 80 بالمائة لأنه فقد الثقة بالطبقة السياسية الحاكمة في العراق برمتها منذ عام 2003 وأغلب مكونات هذه الطبقة هي أحزاب وكتل تمتلك فصائل مسلحة وميليشيات مدججة بالسلاح، بعضها خارج على القانون وتتبع دولة أجنبية هي إيران، وتعمل على فرض إرادتها بالقوة والتهديد بالسلاح وكسر إرادة الخصوم وخاصة إرغام الشعب وتركيعه ومحاربته في قوته اليومية ومعيشته. في السنوات السابقة كان هناك لاعب خارجي يتدخل ويوجه دفة السياسة وتمثل بأمريكا وإيران وبعض دول الجوار على درجة أقل مثل تركيا والخليج. أفرزت الانتخابات، وخاصة بعد ثورة أكتوبر الشبابية، ثلاث قوى أساسية وهي التيار الصدري والإطار التنسيقي والمستقلين في الجانب الشيعي والحزبين الكرديين الرئيسيين ومعهم أحزاب كوردية صغيرة والمكون السني الذي اجتمع في تحالف سيادة. بادر مقتدى الصدر بتأسيس تحالف ثلاثي إسمه تحالف إنقاذ وطن من التيار والبارتي وسيادة في مقابل المعترضين على هذا التحالف المكون من اليكتي الكوردي ومجموعة عزم السنية المنشقة وجماعة الإطار التنسيقي الشيعية المكونة من دولة القانون وفتح والحكمة وعصائب أهل الحق والفضيلة وبقية الفصائل المسلحة الولائية التابعة لإيران كحزب الله والنجباء وغيرهم والذين شكلوا ما يسمى بالثلث المعطل وهو مفهوم مستورد من لبنان وكرسته المحكمة الاتحادية مما خلق حالة من الانسداد السياسي لأن الأغلبية الفائزة في الانتخابات والمتمثلة بالتحالف الثلاثي تملك بين 180 إلى 200 مقعد نيابي ويحتاج إلى 20 مقعد إضافي لتوفير النصاب القانوني البرلماني أي 200 نائب، من أجل التصويت على انتخاب رئيس الجمهورية العراقي الجديد خلفاً للرئيس الحالي وهو د. برهم صالح المنتمي للاتحاد الوطني الكردستاني اليكتي المتمسك بترشيحه ومستعد للخروج ومن التحالف الكردي في حالة تجريده من هذا المنصب وترشيح منافس له من جانب البارتي.
الإطار التنسيقي مصر على المشاركة في الحكومة القادمة وتقاسم الكعكة أي الوزراء والمناصب والامتيازات السياسية والمالية والسلطة والسطوة واستمرار المحاصصة بحجة إن التحالف الثلاثي يجرد المكون الشيعي من استحقاقه الذي تكرس وفق عرف سياسي وليس دستورياً ومع ذلك يفرض نفسه كممثل للمكون الشيعي في حين يرفض مقتدى الصدر هذا الطرح الديماغوجي ويصر على نحو قاطع بأنه لا يريد التحالف مع قوى الإطار التنسيقي الذي كرس الفساد والنهب وتسبب بانهيار العراق على كل الصعد على مدى 18 عاماً وعندما حاول التحالف الثلاثي إيجاد حل مؤقت للانسداد السياسي ومحاولة توفير سبل العيش للشعب العراقي المنغلق حالياً بسبب عدم تشريع الموازنة فاقترح قانون الأمن الغذائي فقام الإطار التنسيقي بتحريك المحكمة الاتحادية لإصدار قرار يمنع الحكومة من تشريع مثل هذا القانون لأنها حكومة تصريف أعمال ومنع البرلمان من تشريع القوانين بغياب حكومة جديدة يقوم الإطار التنسيقي بمنع تشكيلها كثلث معطل وكسر النصاب في البرلمان باستمرار وعناد بطريقة كسر العظم الأمر الذي أثار حفيظة وغضب مقتدى الصدر الذي سبق له أن أعطى فرصة للإطار التنسيقي بتشكيل الحكومة إذا استطاع ذلك وأعطاه فترة 40 يوماً ومنح المستقلين مهلة 15 يوم لتشكيل حكومة وفشل الطرفان ومايزال الإطار التنسيقي مصراً على إجبار التيار الصدري على التحالف مع الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة إلا أن مقتدى الصدر رفض بشدة مثل هذا الابتزاز فقام بفتح النار إعلامياً وكلاميا على الإطار التنسيقي وحلفاءه وفي نفس الوقت تحضير ميليشياته سرايا السلام لتكون على أهبة الاستعداد والتهديد بتحريك الشارع الذي يستطيع إخراجه بالملايين وقد يقود ذلك إلى مواجهات مسلحة بينه وبين الفصائل والميليشيات المسلحة الخارجة على القانون والمحتمية تحت مظلة الحشد الشعبي. لذلك صرح الصدر بحسم بأن أفعال الثلث المعطل مشينة. وقال لن نتحالف مع الثلث المعطل ولن نعيد العراق إلى المحاصصة والفساد. وأضاف بأن المنتمين للثلث المعطل لا وجود لهم بلا سلطة. فالسلطة اعمت أعين الثلث المعطل امام مصالح الشعب. لأن الشعب فقير بسبب التوافقية والفساد. وأضاف منفعلاً: "هل وصلت بهم الوقاحة لتعطيل القوانين التي تخدم الشعب؟ والله انهم يستهدفون الشعب ويريدون تركعيه. افعالكم لن تجبرنا للتحالف معكم".
والإطار التنسيقي يرد في بيان صدر فجر الإثنين 16 أيار ردًا على خطاب الصدر ووصفه: بخطابات مضللة تصدر من قوى تدعي أنها فائزة وتمثل الأغلبية لكنها فشلت في مشروعها الاستحواذي وتحاول تضليل الرأي العام. في حالة عدم الوصول إلى حل يتنازل الإطار عن مطلبه بالمشاركة في حكومة توافقية مرفوضة صدرياً وذهابه للمعارضة، لن يكون أمام التحالف الثلاثي سوى حل البرلمان وإعادة الانتخابات الأمر الذي لايحظى بموافقة وارتياح البارتي وتحالف سيادة السني فالفوضى أمام الجميع والتوافق القسري خلفهم فكيف الخروج من هذا المأزق؟
التعليقات