لا يمكن النظر إلى الهجرة علي أنها عيب وطني، خاصة إذا كان المهاجر متميزا في أحد حقول العلم أو الرياضة. لذلك لا أجد مبررا للحملة التي شنت على لاعب الإسكواش المصري محمد الشوربجي، بسبب حصوله على الجنسية البريطانية وتمثيله بريطانيا في البطولات القادمة بعد أن كان يمثل مصر.
لقد حصد الشوربجي لمصر على بطولات عدة وصلت في مجموعها إلى 44 بطولة، كلها جرت تحت العلم المصري، وأصبح اللاعب المصري عالميا المصنف الثالث في اللعبة، كل هذا ولم نسمع به أو نعرف عنه شيئا بسبب منظومة الإعلام الفاشلة التي راحت الآن تكيل له الاتهامات وتشكك في وطنيته.
كثيرون مثل الشوربجي
ليس الشوربجي وحده الذي حصل علي جنسية دولة أخرى غير جنسيته المصرية، فالكثير من العلماء والأطباء ورجال الصناعة والرياضية، يتقدمون في أحيان كثيرة بطلبات للحصول علي جنسيات دول يعملون فيها، ونذكرعلي سبيل المثال الكبار أحمد زويل، وفاروق الباز، ومجدي يعقوب حصلوا علي جنسيات الدول التي عملوا وعاشوا فيها، دون أن يقف ذلك عقبة أمامهم في تقديم خدماتهم لبلادهم، كلما سمحت بذلك الظروف.
في العام الماضي وحده هاجر أكثر من 7800 طبيب مصري إلى بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوربية المختلفة، ولم يستطع أحد أن يشكك في انتمائهم، لأنه من البديهي أن يسعى الإنسان للسعي من أجل تحقيق طموحاته المالية والعلمية. مثلا هنا في ألمانيا يذهب الأطباء الألمان للعمل في سويسرا والدول الإسكندنافية بسبب الأجور المرتفعة نسبيا عن ألمانيا ولا أحد ينتقد ذلك!
أما محاربة ذلك الواقع فهو يكمن في دورالدولة ومحاولة خلق ظروف عمل أفضل ، وتقديم إغراءات مادية لحث مواطنيها علي البقاء في بلادهم بدل من التقريظ وفك الشراكة معهم كما نشاهد في برامج القنوات الفضائية المصرية المسائية ردا علي قرار الشوربجي بالتجنس بالجنسية البريطانية.
لماذا يهاجرون؟
عموما للهجرة أسباب عديدة وكما يقول: روبرت ماكنمارا مدير البنك الدولي السابق "أن العقول تشبه القلوب بصفة عامة في أنها تذهب إلى حيث تلقى التقدير" ..وهو قول سديد، فأينما كان التقدير ستكون الهجرة. في مصر غير كرة القدم يعاني أبطال الرياضات الأخرى كثيرا من الإهمال، لهذا جاءت أغلب هجراتهم إلى بلدان فتحت أمامهم الأبواب المغلقة وساعدتهم ماديا، واحترمت تفوقهم وموهبتهم، خاصة وأن أغلبهم كانوا دائمي الشكوى من قلة الموارد والحوافز المادية الممنوحة لهم والتعتيم الإعلامي كذلك!
مثال واحد فقط نذكره علي معاناة هؤلاء الأبطال الرياضيين، ففي عام 2017، قرر المصارع طارق عبد السلام الحصول علي الجنسية البلغارية وعدم تمثيل منتخب مصر مرة أخرى. فقد عانى كما ذكرنا من عدم تقدير المسؤولين المصريين له، وكان سبيله الوحيد هو الاعتماد علي نفسه فسافر إلى بلغاريا وبدأ طريق البحث عن عمل حتى وجده كاعامل في أحد مطاعم الشاورما في العاصمة صوفيا حتى يستطيع توفير نفقاته الخاصة، ولأنه كان مؤمنا بموهبته ظل هناك طيلة عامين يكافح ويعمل ويتدرب حتى نجح في الفوز بالميدالية الذهبية ببطولة أوروبا المقامة في صربيا تحت علم بلغاريا، بعد تغلبه على بطل روسيا في المباراة النهائية.
بالتأكيد لا تشجع الدولة التي تعمل علي إعلاء شأنها في المجالات المختلفة على التفريط في أبنائها المتميزون، فلا بد أن تهتم بهم وترعاهم فبل اتخاذهم قرار الهجرة، ثم إن قرار الهجرة أيضا هو قرار فردي يجب احترامه وتدعيمه وعدم القطيعة بين المهاجر وبلده الأصلي لأنهم في كل الأحوال سيظلون يحملون اسم بلدهم بغض النظر عن جواز السفر والجنسية الجديدة.
وزراء أوربيون من خلفيات مهاجرة
الهجرة لا تنسلخ أبدا عن المعتقد والثقافة والنشأة الأولى وحتى اللغة، وكل ما تعلمه المهاجر في بلده الأصلي... ونتذكر هنا أن العالم التركي البروفوسير أوجور شاهين وزوجته أوزلام تورجي ، عندما توصلا إلى لقاح الكورونا في شركتهم في ألمانيا، كان اسم تركيا بلدهما الأصلي رغم جنسيتهما الألمانية لا يفارقهما في الصحافة وكل وسائل الإعلام، أنه كان أكبر دعاية لتركيا في الغرب، ذلك أنها بلاد تستطيع إنجاب المتفوقين أيضا مثلهم بل وأفضل منهم.
لهذا قد يصبح من المهم أن تقف الدولة مع أبنائها المهاجرين ومع الجيل الثاني والثالث، ويجب على السفارات أن تقوم بعمل ربط بينهم وبين وطنهم الأصلي... انظر إلى كل الحكومات الأوربية الآن كلها بلا استثناء بها وزراء من خلفيات مهاجرة عديدة... الحكومة البريطانية نفسها بها أكثر من وزير من أصول هندية، لا يجب أن تنفر الدول من ذلك، بل تعود وتمد اليد الأخرى لهم فهم أكبر لوبي يمكن أن يتشكل للضغط لصالحهم في تلك الدول التي أصبحوا مسؤولين مهمين فيها.
ليس كل مهاجر يصبح مرغوبا به في البلاد المتقدمة، التفوق والتميز وحدهما هما المفتاح السحري الذي يفتح أبواب الغرب للمهاجرين غير ذلك يصبح صعبا، فبريطانيا نفسها التي منحت الشوربجي بطل الإسكواش جنسيتها ومنحته الفرصة يلعب باسمها وتحت علمها، هي نفسها التي تريد إبعاد كل المهاجرين غير الشرعيين الذين دخلوا أراضيها بعد يناير الماضي إلى رواندا وفق اتفاقيات وقعتها معها، لأنها لا ترغب فيهم... في مخالفة صريحة لقوانين اللجوء التي تلزم الدول بفحص كل حالة كل طالب لجوء على انفراد. وهكذا هو عالم اليوم لا يفتح أبوابه إلا للمتميزين الناجحين!
[email protected]