المجلات النسائية هل تعبّر عن الوجه الحقيقي للمرأة العربية؟ وهل تحمل بصماتها وملامحها وصورتها الأصلية؟ وهل يمكنها البوح بمعاناتها والوصول إلى همومها؟ وهل تجس النبض الصادق لواقعها؟
من خلال تصفّحي لعدّة نماذج مختلفة من المجلات النسائية، ومن صفحات المرأة والأسرة التي تتسابق إلى نشرها الصحف والمجلات العربية، نكاد نحصر ما تدّعي بأنّه هموم المرأة العربية، نحاول نوجزها في الآتي:
هناك عدّة صفحات كاملة وملونة في بعض المطبوعات تركز على ما تزعم المجلة أنّه أحدث الصيحات العالمية في الأزياء!.
بالطبع المجلة هنا لا تهتم بالعادات والتقاليد المعروفة التي تنتمي إليها معظم أقطار الوطن العربي التي قد تحد من ارتدائها، ولا بالأعراف السائدة التي تُعاني فيها المرأة من موروثات اجتماعية أولَى بالطرح والتفكير والنقاش، وتود لو تجد من يركّز عليها بدلاً من إبقائها وراء أفكار الموضات العصرية التي لا تكرّس سوى السطحية والإمعان في اللاوعي، والابتعاد عن تحسّس الوجع الحقيقي ومواجهته، والصراع لأجل تغييره ومعالجته.
صفحات مكرّرة تتغير أساليبها بينما يبقى مضمونها واحداً (كيف تعتني ببشرتك، وتحتفظي بجمالك .. الخ؟)، وتسهب خبيرات التجميل أو ما يتم نقله وترجمته من المجلات والصحف الأجنبية في الإمعان في مسخها وتحويلها إلى دمية مليئة بالأصباغ والمعاجين ولكن..؟.
ألا تدرك هذه المجلات النسائية بأن هناك نساء لم تترك لهن طاحونة الحياة متسعاً من الوقت لعجن بشرتهن بالزبادي أو الخيار أو التفاح؟ وبأن هناك سيدات لن تفلح صبغات الشعر أو الليمون، أو الخلّ في إعادة البريق أو السواد إلى شعورهن التي تسلل إليها "الثلج الأبيض"، وقد أهدرن شبابهن على سفح الإحباطات التي تحاصرهن في واقعهن المشبوب بالمحاذير والوصاية والنظرة التي تفتح الأبواب أمام المرأة "التمثال" لتصنع جمالها أو سطحيتها، وتغلق النوافذ بالمتاريس أمام عقل المرأة المدركة التي تريد أن تغذّي فكرها، وتنمّي عقلها، وتشارك في تنمية مجتمعها، وتواجه واقعها بوجه خال وواحد لا يحتمل الأقنعة والرتوش!
زوايا "المَطبخ" والصفحات المخصصة لعرض نماذج من "الأثاث العالمي" المقترح تنفيذه في البيت العربي، ومساحة "الإعلانات" الهائلة لمعارض الأزياء والاكسسوارات والمجوهرات..الخ. كلها تنبئ بأنه ربما فات على هذه المجلات النسائية بأن العائلات الكادحة تمثل المجموعة العظمى من نسبة السكان إلّا إذا كانت لا تتوجه إليهم أصلاً، إانما هي تصدر فقط لأجل النساء المرفّهات فقط.. فهذه إذن قضية أخرى!

لمن تتوجه المجلات النسائية؟
بالتأكيد إنها تتوجه أكثر ما تتوجه للنساء المنتميات إلى الفئة الغنية القادرة على اقتناء الديكورات الفخمة والرياش الناعمة؟ إذن.. فلماذا تسمّى مجلة نسائية وتوحي بمخاطبة كل النساء، ولم لا تسمى بمجلة الصفوة مثال بعض المجلات النسائية التي تفهم المرأة العادية وتوجهها الحقيقي، وذلك من سعرها الباهظ الذي يُذيّل غلافها الفاخر!
وهناك ضحالة في الأفكار المطروحة للنقاش، كالتحقيقات والدراسات والتي تحرص المجلة على عرضها بجدية على الغلاف، وما إن يتصفّح القارئ المجلة حتى يُفاجأ أن هذا العنوان الضخم ما هو عن عبارات مصفوفة، ولقاءات جافة تدور حول القشور، ولا تحاول الغوص أكثر في الداخل، ولا تضيف أو تغيّر أو تطرح البديل، أو تقدّم الحل، أو أي شيء يدفع بالقضية ـ على الأقل ـ إلى مرحلة أكثر نضجاً ووعياً بدلاً من المتاجرة بها وتحميلها أكثر مما تعاني منه!
ماذا تريد المجلات النسائية بالضبط؟ هل هي مجرد إعلان لوجود صحافة تعني "بالمرأة"، شأنها شأن أي مواطن آخر (وهنا تقع الطامة الكبرى لأن المرأة ستبدو أكثر حظاً من الرجل لأنها نالت شرف تخصيص مطبوعة تدعي التوجه لها!)، أم أن التفكير التجاري هو الذي أوحى بخلق هذه الصحافة النسائية وفتح بذلك مورداً جديداً للكسب المادي، أم أن المشروع في مجمله قصد به التسلية وقطع أوقات الفراغ، ولم يقصد به التوغّل في هموم وقضايا ومعاناة أية امرأة!

ماذا تريد المرأة العربية؟
من الواضح أنها مسؤولة بنوع ثقافتها، بطريقة تعاطيها للأمور، بدرجة نضجها عمّا يحدث حولها.. وعن الرداء الذي تصدر به هذه المجلات النسائية، فهي التي أعطت الإشارة حتى توجهها ـ بهذه الصورة ـ هذه المطبوعات، وهي التي أضاءت الضوء الأخضر لعملية تدجينها، واستسلمت للأفكار التي تتلى عليها سواء باهتمام أو بلا مبالاة، وأصبحت تتلقى حتى دون أن تحاول مجرد التعليق!
إنَّ الدور الهامشي للمجلات النسائية سيستمر في وضعه حتى تفيق المرأة العربية من غفوتها، وتشارك بوعي وإدراك في عملية خلق وجودها الحقيقي الفعّال المنتج، حينئذ ستكون لدينا مجلات نسائية بحجم وعطاء المرأة العربية ذاتها، وسيكون التواصل متكافئاً ومتوازناً وذا جدوى ومحتوى يجعل منها تتابع وتهتم ما ينشر فيها، وإن كانت تكلفتها تفوق ما بين يديها من مبالغ يلزمها الإقبال عليها وقراءتها بكل رغبة، ما دام أنها تهدف في مضمونها إلى توعية المرأة، وتمكنها من اضاءة طريقها، واسباغه بنوع من الحياة الجديدة التي تبحث عنها، بدلاً من الأفكار الهدامة والمضامين الخزعبلة التي لم تعد تنطلي عليها، ولا يمكن الإفادة منها في أي منحى آخر، ومن هنا يمكن أن تصبّ في انطلاقة جديدة عسى وعلّ أن تفعل شيئاً في طور حياتها الجديدة التي صارت تدركها بالشكل الصحيح بعيداً عن المغريات والفقاعات والهوامش التي لم تعد تفيد مسيرتها في زمن أصبحت الصورة فيه أكثر إشراقاً ودفئاً، وبعيداً عن النصائح التي عرفت كيف تؤخذ بها بعيداً عن رؤية البعض من مدعي الثقافة ممن يمارسون ضغوطاً عليهن بالتوجه نحو اقتناء تلك المجلة أو اغفالها وتركها.