ربما يكون أبلغ وصف يُمكن وصفه لِدورة الحياة السياسية في العراق مثل مُسلسلٍ مُدبلج يأبى أن تنتهي خاتمته إلاّ بأجزاءٍ مُتعددة، عناوين واحدة لاتتغير لِشعب إعتاد أن لايستفيد من أخطائه وهفوات الماضي لذلك تتكرر دورة حياته السياسية بنفس السيناريو والإخراج وربما بوجوهٍ مُشابِهة.
تَراهُ كالذي إعتاد على تربية حيوان مُفترس وهو يعلم جيداً أنه سيلتهمه مُستقبلاً، لكنها على ما يبدو هوايته المفضّلة.
طوال التاريخ الحديث كانت أيادي الشعب العراقي هي التي تصنع الطُغاة والديكتاتورية حتى يأتي ذلك الوقت التي تقف أمامها عاجزة عن لَجّم طُغيانها لتبدأ مرحلة التذمّر والتشكّي صُعوداً إلى طلب النجدة وربما إلى الإستعانة بالدعم الخارجي، ثُم تُعاود دورة الحياة من جديد عندما يصنع سُلطة تأتلف تحت أجنحتها ميليشيات مُسلّحة ونظام فاشل كان هو من ساهم في تربيتها وإطعامها من الفساد والسكوت لِيجد نفسه قد أضحى أسيراً لِطُغيان هذه الجماعات ويبحث عن الخلّاص منهم حتى ولو جاء ذلك الخلاص من السماء، يصنعون الطُغاة من التمر ويجعلونهم كالآلهة لِعبادتها ثم يأتي بعد ذلك حيناً من الدهر عليهم لِيأكلوا هذا التمر بعد أن يجوعوا، إذن لماذا صَنعوا التماثيل إذا كانوا في النهاية سيأكلونها؟.
دورة حياة سياسية تتكرر دون مَلل أو إستفادة من تجارب الماضي.
بعد عام 2003 دخلتْ أغلب المنظومة السياسية إلى العراق وهم حُفاة عُراة لايملكون ثمن أُجرة التاكسي الذي دخلوا به إلى البلاد، فإستطاعوا بوقت قياسي من بناء قواعد جماهيرية من نفس هذا الشعب الذي يرفضهم اليوم ومقرات حزبية وفضائيات وفصائل مُسلّحة وميزانيات تفوق ميزانيات دول مُجاورة وكُل هذا تم بِمُباركة الشعب الذي يُحاول التخلص منهم اليوم، وذات العراقيين الذين يُكررون تجاربهم في الإستسلام للديكتاتوريات السابقة واللاحقة.
قد تكون لِنظرية الدكتور علي الوردي صاحب عِلم الإجتماع الذي بَرهن أن المواطن العراقي يحمل المُتناقضات بين قلبه الذي يضمر شيئاً ويده التي تحمل عكس ما يضمره القلب في تناقض غريب جعل الإرتباك يصل حتى إلى أموره الحياتية.
الغريب أن الشعوب دائماً ما تستفيد من تجاربها إلاّ تجربة الشعب العراقي فهي تجربة تتكرر وتتمدد دون أن تكون لها حلولاً واقعية، مع العلم أن تلك الحلول ليست ببعيدة عن مُتناول أيدي هذا الشعب المُستسلم لِقدره.
يَمدّون الفساد والفوضى بِكُل ما تطلبه منهم من سُكوت وتغاضي وتغافل ثم يأتون بعد ذلك لِطلب النجدة أو ربما الإستعانة بالمُنقذ لأنهم يعتقدون انه الخلاص الوحيد الذي يريحهم ويُنهي مُعاناتهم لِيُعاودوا دورة حياة جديدة بنفس الطريقة وكأنهم يستلذّون بمن يسرقهم أو يقتلهم أو يُعذّبهم.
قد يكون هذا الإستنتاج قد إستفاد منه كُل من إستوطن السُلطة في العراق، لذلك كانوا يتمادون في التعذيب والفساد والإفساد.
تجارب تتكرر دون الإستفادة من نتائجها ومراحل سياسية تُعاود دورتها بإستنساخ غريب وكأنه مُبرمج دون أن يُوقفه عقل ناضج أو حِكمة الإستفادة من أخطاء الماضي، رُبما هي بواطنْ الشخصية التي إستسلمتْ لِما يَحدث لها أو ذلك الرِضوخ للواقع بعد أن طغى اليأس وخَيّم عليها، أو رُبما هي الحياة التي تفرض شروطها على حياة المواطن العراقي...لا نَعلم لكن كُل شيء وارد في ذلك!.
التعليقات