وتبقى ذات اللون البني الداكن مظهراً للكرم في الضيافة.. حاضرةٌ مميزة في جميع المناسبات.. لها مكانتها الثقافية في التراث العربي.. تخطت مجالس العشائر والعزاء إلى حيث المحافل الدولية وندوات الشعر فأصبح كبار السن وأصحاب الذائقة من الرواد الدائمين لتلك الأماكن.
يتم تحضيرها في ديوان العشيرة منذ الصباح الباكر ومن عادات تقديمها المبادرة بتقديم الماء إلى الضيف اولاً فان رفض الماء فذلك يشير إلى رغبته بالطعام فيقدم له الطعام اولاً ثم تأتي هي بعده وإن هزَّ الضيف الفنجان الذي سُكبت فيه بعد الانتهاء من شربها كان ذلك دلالةً على الاكتفاء.
من حق الضيف في المجلس أن يمتنع عن الكلام حتى تقدم له القهوة وتعتبر هذه السلوكيات من الاعراف القبلية المتوارثة بين العشائر العراقية مع بعض الاختلافات بحسب تأثيرات المنطقة والعشيرة.
قد يحدث أن ينتهي محتوى الدلة (إبريق القهوة) أثناء التقديم
هنا وكما يحدث في مجالس العشائر العراقية يقول الضيف للمضيف (حقك بالفاير مو بالبايت) بمعنى نصيبك من القهوة الجديدة وليس القديمة فيرد الضيف على المضيف ويقول (النقص مو بيك.. النقص بالدلة) بقوله هذا فهو ﯾنفي اللوم عن المضيف (القهوچي).
لقد اعتاد الناس على شرب القهوة فلا يمر يومهم إلا وأخذ اغلبهم وعلى أقل تقدير فنجاناً واحداً منها مُعتقدين ان فنجان القهوة سيحتويهم ويحمل عنهم شعور الضياع والحزن فيمنحهم ومضة أملٍ بالأمان.. فاذا أقبل الصباح وبكل احواله حضرت القهوة مُعلنةً السكينة والصفاء فيصبح الانسان بحضرتها وكأنه في مملكة السلام.
فهل تحمل القهوة سراً خفياً يجعلها رفيقة الوحدة!!
أنيسة السهرِ والكتاب!!
حبيبة الأمنيات الجميلة وصديقة من لاصديق له!!
هناك من ينظر إلى القهوة وكأنها ملاذه الآمن يرتب بحضرتها شتات أفكاره ويُعيدُ رسمةَ أحلامه ويستنشقُ من عبق نكهتها وسحر أجوائها المُفعمة بالطمأنينة.. سكونٌ.. وتاملٌ.. وتطلعٌ للحياة.
الكثير من الناس يفضل العزلة والانفراد مع فنجان قهوته ليرى فيها أنيس سهره وبوح قلمه فلا يمرُ ليلهُ إلا وإزدان جمالاً بالقهوة فتنسجم الافكار.. وتتناغم العبارات مع نكهة القهوة المميزة ليسرح في أجوائها مع الأمنيات والاحلام الساكنة في ذاكرة الخيال عساها تصبح واقعاً تخلده تلك التفاصيل الممزوجة بالبياض والسواد..
تبقى القهوة صديقة من لاصديق له يشكو إليها ألمه ووجعه لتحتوي حزنه العميق برشفة من فنجانها وتنثر أمام عينيه أملا يجبر كسره وبلسماً يشفي جرحه.
كل نفسٍ تعايشت مع القهوة حسب هواها فمع كل تلك الاسرار الخفية يبقى السؤال قائماً...
هل القهوة هي سيدة المزاج ومفتاحٌ للسلام أم هي مجرد احوالٍ اعتادت عليها النفس لتكون طابعاً بشرياً لايمكن التخلي عنه؟؟