في بدایة الأسبوع الرابع من ثورة‌ الشعب الإیراني من أجل التخلص من نظام ولایة‌ الفقیه، کان یوم السبت 8 اکتوبر منعطفاً علی أکثر من صعید.
لأول مرة شارکت جمیع شرائح الشعب وأهالي طهران العاصمة في الثورة من شمالها إلی جنوبها ومن شرقها إلی غربها. شارك لأول مرة سكان حي نازی آباد بجنوب طهران في مظاهرات لیلیة ضخمة. هذا الحي والأحیاء ‌المجاورة له تقلیدیاً کان من الأحیاء المحسوبة‌ نسبیاً علی النظام. کما أن أصحاب محلات شارعي لاله زار وناصر خسرو في قلب طهران القدیمة أغلقوا محلاتهم وبدأوا بإطلاق شعارات مناهضة‌ لكیان النظام. والسوق الكبیر في قلب طهران القدیم أیضاً اغلقت وشارك تجّار السوق في المظاهرات. ولا حاجة‌ إلی الذکر بأن السوق التقلیدي کانت تاریخیا موئل الملالي وسندهم.
وإذا ألقینا نظرة‌ إلی خریطة طهران العاصمة لنجد أن معظم مناطقها وأحیائها کانت یوم أمس ساحة المظاهرات والاشتباکات مع القوات القمعیة من نازي آباد وسه راه آذري وقلعه حسن خان ولباف نجاد والسوق الكبیرفي الجنوب إلی قلهك وتجریش في الشمال وطهران بارس ونارمك وکوکاکولا وغیرها في الشرق وإلی شارع هاشمي وسلسبیل في الغرب وإلی العدید من الأحیاء في المنطقة‌ المرکزیة من طهران العاصمة مثل یوسف آباد وساحة‌ بهارستان ولاله زار وناصر خسرو وبارك شهر وشارعي ولیعصر وشریعتي و... وهذا معناه أن العاصمة طهران کانت یوم أمس في قلب الثورة.

علاوة علي الأحیاء المذکورة کانت الجامعات أیضاً تغلی بالشعارات والمظاهرات من جامعة‌ الأم جامعة‌ طهران إلي جامعة‌ شریف للتکنولوجیا وجامعة أمیر کبیر وجامعة العلامة وغیرها. وکانت جامعة‌ الزهراء ممتازة بسبب حضور إبراهیم رئیسي في هذه الجامعة التی تختص بالطالبات. وکانت رئیسة هذه الجامعة إنسیة خزعلي مساعدة إبراهیم رئیسي لشؤون الأسرة والنساء. ویبدو أن إبراهیم رئیسي کان مخطئاً في تقدیره لهذه الجامعة لأنه کان یعتقد أن الطالبات في الجامعة معظمهن یأتین من العوائل القریبة بالمسئولین في النظام وبسبب وجود إنسیة خزعلي علی رأسها فإنه لن یواجه مشکلة هناك. لکنه فور وصوله إلى هذه الجامعة فالطالبات یرحّبن به بشعار «رئیسي ارحل» و«نحن لا نرحّب بالضیف القاتل» و«الموت للظالم سواء أکان الشاه أو الزعیم [خامنئي]» وکذلك «علی الملالي الرحیل لا تفیدهم الدبابات والمدافع».

یوم السبت لم تکن طهران لوحدها ساحة‌ الثورة والمظاهرات بل تقریبا معظم المدن الکبری الإیرانیة کانت في حالة‌ غلیان من أصفهان وشیراز ومشهد وتبریز وکرمانشاه وزنجان ویزد وقم وغیرها. لکن یجب أن نتوقف عند الحدیث عن مدینة سنندج عاصمة محافظة‌ کردستان الإیرانیة. حیث أن مواطنینا الکرد طردوا قوات الأمن من الشوارع المرکزیة للمدینة وسیطر أبناء الشعب علیها لفترة طویلة. مقاطع فیدیو والتقاریر الواردة من هذه المدینة تشیر إلی أن مدینة سنندج تحوّلت إلی ساحة‌ حرب بین المواطنین والقوات القمعیة.

الشعارات التي ردّدها الثوار یوم أمس کانت تصیب أساس النظام من قبیل "الموت لخامنئي، الموت للديكتاتور"، "ليرحل الملالي لا تفيدهم الدبابات والمدافع"، "كل هذه السنوات من الجرائم، تباً لهذا الحكم"، "ليمُت مجتبي [إبن خامنئي] ولایصل إلی القيادة" و"هذا العام عام الدم وسيسقط فیه خامنئي" و"الموت للظالم سواء كان الشاه أو الزعيم (خامنئي)" و"ارحل رئيسي"، "نحن لا نريد نظاما فاسدا ولا نريد ضيفا قاتلا". الطلاب في الجامعات ردّدوا شعارات أخری أیضا کـ«الطلاب یموت ولایقبل الذلّ»، «حریة، حریة، حریة» و... الشعار الذي تردَد في معظم المناطق والأحیاء أکثر من الشعارات الأخری کان شعار "هذا العام عام الدم وسيسقط فیه خامنئي". وهذا الشعار أکثر رادیکالیة من جمیع الشعارات الأخری.
وحصلت اشتباکات في مناطق مختلفة‌ من طهران وفي المدن الأخری بین الثوّار والقوات القمعیة والشبیحة التابعة للنظام. وأضرم المواطنون النار في الكرفانات الخاصة‌ بقوات الأمن حیث قاموا بنقل الكرفانات المتبقیة من الساحات والشوارع. وکانت هناك عملیات الكرّ والفرّ بین الشباب وقوات النظام. واستخدم الشباب قنابل حارقة للتصدي لقوات الأمن. کما قاموا في العدید من الحالات بضرب قوات الأمن الذین اعتدوا علی المتظاهرین.

قبل ذلك خلال الأیام الماضیة کان طلاب الجامعات والمدارس الثانویة مشارکین في الانتفاضة. یوم أمس علاوة علی هؤلاء انضم تجار السوق وکذلك الأحیاء الفقیرة في طهران بشکل خاص إلي الانتفاضة. الشعارات کانت شعارات جذریة رادیکالیة أکثر من السابق. الاشتباکات أیضاً کانت عنیفة‌ شیئا ما. وکتبت صحیفة‌ لوس آنجلس تایمز الأمریکیة مقالا بعنوان «إیران لدیها تاریخ طویل من الاحتجاجات. هذه المرّة الأمر مختلف». وفي إشارة إلی الجیل الشجاع الجدید الذي دخل ساحة‌ الثورة أضافت:‌ توسّعت شعاراتهم من مجرّد الترکیز علی حقوق المرأة لتشمل تغییرا منهجیا أوسع: «الموت للنظام، سواء أکان الشاه أو الزعیم» تشیر إلی هذا الواقع. مقالات من هذا النوع کثر في الصحافة العالمیة.

هذه الشعارات تحمل مغزی عمیق بأن الثوار الإیرانیین یریدون إسقاط هذا النظام بکافة اجنحته وتیاراته ویریدون تغییر کل شيء في إیران. وفي تطلعاتهم لا ینظرون إلی الماضي بل یتطلعون إلی مستقبل مشرق یتجسّد في نظام جمهوري دیمقراطي حرّ عامر ومسالم.
وفي قراءتنا لما قام به المواطنون خلال یوم أمس نجد أنهم یریدون تفکیك وهدم نظام ولایة‌ الفقیه وإضرام النار فیه. ولکن حتی الآن قوات النظام یتسلّح بمختلف أنواع الأسلحة ویقتل ویضرب ویعتقل من جاء إلي الشارع لیهتف حقه في العیش الکریم بأید فارغة. أبناء الشعب بحاجة إلي أن یعترف المجتمع الدولي ودول العالم بحقهم في إسقاط النظام وبحقهم المشروع في الدفاع عن أنفسهم بجمیع الإمکانات المتاحة. هذا الحق الذي ینصّ علیه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وکثیر من المواثیق والوثائق التاریخیة. علی سبیل المثال بیان حقوق الإنسان والمواطن المصادق علیه في فرنسا في العام في 1789 یقول في المادّة الثانیة بأن «مقاومة‌الجور» یعتبر من «الحقوق الطبیعیة التي لا یمکن انتزاعها».