عندما يعم الفساد في المجتمع ويتحول من ظاهرة فردية الى ظاهرة مؤسساتية واجتماعية شاملة وتتعطل القوانين الرادعة وتقف المحاكم عاجزة عن مكافحته ولن تفيد معه محاولات الإصلاحيين، عندها تتوقف عجلة التطور والانماء وتصيب الحياة العامة بشلل تام كما هو حال العراق اليوم الذي بدأ يتآكل ويضمحل ويفقد دوره كدولة واحدة وككيان قائم بذاته بعد فترة قد لا تستغرق كثيرا في ظل هيمنة الأحزاب الطائفية وميليشياتها على الحكم، العد التنازلي للسقوط والتشظي بدأ منذ تدشين قانون "القتل على الهوية" وتكريس الطائفية وعدم تطبيق الدستور والتبعية والعمالة للدول الخارجية وتشكيل عصابات المافيا لنهب البنوك وأموال العامة ونهب ميزانيات الدولة بالكامل من قبل أحزاب واشخاص متنفذين امام اعين العراقيين (كميزانية عام 2014) بهدف اذلال الشعب وافقاره!

ولأول مرة في تاريخ الدول تعرض مناصب الدولة للبيع في المزاد العلني وعلى عينك يا تاجر! حتى وصلت قيمة بعض المناصب الوزارية إلى أكثر من 100 مليون دولار بحسب عضو "تحالف الفتح" ‏محمود الحياني!

هذه الفوضى والتسيب والتجارة الآثمة لا يوجد لها مثيل في العالم؟ والكل يعرف هذه الحقيقة؛ الرؤساء والوزراء والنواب والكتل السياسية، ولكنهم لا يحركون ساكنا اما لكونهم مشتركون في هذه اللعبة القذرة واما هم مكبلي الايدي والارجل، لا حول لهم ولا قوة، لا يستطعيون فعل شيء امام غول مافيا الفساد، انظر الى رئيس الجمهورية السابق برهم صالح وهو يقول؛ ان البلاد خسرت الف مليار دولار منذ عام 2003 بسبب الفساد! دون ان يفعل شيئا، وقد اعترف مصطفى الكاظمي بعجزه عن مواجهة الفساد حيث اصدر قرارا بتشكيل "لجنة للتحقيق في قضايا الفساد" ولكن المحكمة العليا المسيسة الغته "اعتبارا من يوم صدوره"، وعندما تجرأ وتطاول على بعض مراكز القوة في العراق، استهدفوا بيته وكادوا يقتلونه.

ونتيجة حكم اللصوص كالآتي؛ البلد أدمر والشعب جاع واتبهدل ووصلت نسبة الفقر في المجتمع الى "اكثر من 31% والبطالة تجاوزت 40% وفق آخر تقرير لبرنامج الأغذية العالمية التابعة للأمم المتحدة"، هذا الشقاء والبؤس المعيشي دفع بكثير من الشباب الى بيع "خصاويهم" مقابل مبالغ مالية، وهذه التجارة البائسة لا توجد الا في العراق!..

والحقيقة ان الحياة في العراق قاتمة حالكة لا يوجد فيها بصيص من النور وهي لاتصلح للعيش الآدمي ــ وفق منظمة الشفافية الدولية ــ ولا لاقامة مجتمع سليم معافى ولا نظام سياسي متوازن يعتمد على الكفاءة والمهنية، والنهاية المحتومة لمثل هذا النظام واضحة وضوح الشمس؛ الدمار والتقسيم والتشظي، ولولا المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى في بقاء العراق دولة واحدة موحدة، لما بقي له اثر يذكر لحد الان! ولكن مهما كانت قوة الدعم الخارجي، فان التآكل الداخلي والانهيار الذي يعقبه نتيجة الفساد، يؤدي به في النهاية الى السقوط والتلاشي كما حدث مع أنظمة كثيرة تعاقبت على حكم العراق والعالم على مدار التاريخ، دول كثيرة وامم لا تعد ولا تحصى تهاوت واندثرت بسبب فسادها وظلمها للشعوب الأخرى، الروم والفرس والامويون والعباسيون و..العراق لا يشذ عن هذه الدول والأمم التي كانت شامخة ومتطورة في يوم من الأيام، وتلك سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا..

وقد ادرك الكرد هذه الحقيقة متأخرا، فارادوا ان ينقذوا انفسهم من المصير المحتوم قبل فوات الأوان ويعلنوا انفصالهم عن الجحيم العراقي عام 2017 ولكن كانت المعادلات الدولية في المنطقة ومصالحها الاستراتيجية لهم بالمرصاد ولم تسمح لهم بالتمرد على القرارات الدولية الجائرة واعادوهم الى حظيرة الفسادوالاستبداد الطائفي رغما عن انوفهم!