ظلت ظاهرة التحرّش وإلى اليوم تلعب فعلتها في الحياة العامة بصورة عامة لما تتركه من نتائج سلبية على المجتمع الذي يعيش هذه الحالة المزرية ومنعكساتها، وصارت ـ وللأسف ـ تعد جزءاً منه، وبصورة خاصة في المجتمع السوري الذي يُعاني الأمرّين نتيجة تفاقم وتفشّي هذه الظاهرة وصار يعاني منها كثيرون!.

التحرّش منه ما كان له أبعاده المباشرة، وآخر ما كان يترك أثره على الضحية، ومثال ذلك الفتيات اليافعات، وكذلك الحال بالنسبة إلى بقية النساء ممن تجاوزن سنّ الشباب، أيّ ما بعد الأربعين اللاتي يتعرّضن للتحرّش اللفظي والجسدي، وانتشرت هذه الظاهرة بصورة جلية بين عُموم الشباب في كافة المدن السورية، كما أنّه لا تخلو مدينة عربية، من هذا الشرّ المستطير الذي صار يفرض نفسه بين الشباب، وكذلك الحال بالنسبة للشباب الأجنبي.

وضحايا التحرّش، تتفاوت نسبته مع ارتفاع سنّ البلوغ عند الشباب. ومفتعلو هذه الجريمة يكونون بالعادة من فئة الشباب الذين يعانون من اضطرابات نفسية تدفع بهم إلى ارتكاب فعلتهم الشنيعة تحت تأثيرات مختلفة كالتعاطي لمشروب معين، أو حبوب الهلوسة، أو يعود ذلك لعادة متأصلة في ذلك المتعاطي لا يمكن للشباب المصابين بهذا المرض الاقلاع عنه.

هذه الظاهرة صار يعاني منها المجتمع بصورة عامة، ولم يتمكن من الخلاص منها. وفي سوريا بدأت منذ زمن بعيد مع منتصف القرن الماضي، وفي تلك الفترة كانت المرأة تظهر بمظهر لم يكن الشباب يعرفونه بعد. فخروج المرأة سافرة بعد تخلي قسم منهن عن حجابهن التقليدي، وخروج أغلبهن إلى عالم الحرية بالسماح لهن إلى الذهاب إلى المطاعم والنوادي ودور السينما والأسواق وغير ذلك، وهذا التقليد الأعمى فرض عليهن مواجهة الشباب الذي صار يرى الصورة جديدة أمامه، وهذا ما دفع بهم بعدم تحمّل رؤية النساء على هذه الشاكلة بألوانهن الزاهية المثيرة للرغبة، وتبرجهن واظهار مفاتنهن، كل هذا دفع بالشباب إلى التحرّش بهن، والتقرب منهن، وهذا التحرش انتقل من التحرّش بملامسة اليد، إلى التحرّش اللفظي الخادش للحياء، ومن ثم إلى التحرش الجسدي.

وكثيراً ما يتعرّضن الطالبات والنساء إلى هذا التحرّش، وتواجهه المرأة بالسكوت، أو بالهرب من أمام المتحرّش، وإما مواجهته وجهاً لوجه بالضرب المبرح، أو بألفاظ بذيئة نتيجة ما يقوم به من أفعال مشينة يرفضها المجتمع!.

إنّ التحرّش اللفظي أصبح عادة استدرجها الشباب مع مرور الأيام، إلّا أنه خفّ بنسب ضئيلة نتيجة الأحداث الدامية التي جرت في سوريا، وما زالت تتكرر حدوثها إلى اليوم، وهذا ما دفع الشباب الاهتمام أكثر بأعمالهم، مورد رزقهم، أكثر من ذي قبل نتيجة الوضع الاقتصادي المنهار، وانشغال أغلبهم في أمور أكثر أهمية تناسب مزاجهم الخاص، ومن بين تلك الأشياء التي أبعدت الشباب عن الاهتمام بهذا الجانب هو تفكيرهم بالهجرة والنزوح عن البلد ما دفع بالكثير منهم الهجرة إلى خارج سوريا، رغم تعرّضهم للموت، ومنهم من دفعت بهم ظروفهم إلى ترك مدنهم والتوجه إلى الريف الذي صار أكثر استقراراً وأمناً، ويلقى اهتماماً مهماً من قبلهم على الرغم من أنه لم يخلص من هجمات الارهابيين والاعتداء على الريفيين والمزارعين في كل الأراضي السورية، وهذا ما يعني اصابة الشباب وتعرّضهم للاكتئاب ما دفعهم إلى الابتعاد والكفّ عن اتباع هذا السلوك غير الأخلاقي الذي بالكاد يأخذ به ويتبعه ندرة من الشباب الذي ما زال في سنّ اليفاع.

الواقع المعاش اليوم ألجأ الكثير من الشباب الذي كان مهتماً في السابق بهذا السلوك الأهوج، واتباع طرق مخلة بالآداب العامة حتى يتمكن من العثور على فريسته والايقاع بها تحت أي ظرف كان، ضارباً عرض الحائط بكل القيم والأعراف والقوانين الناظمة لهذه المشكلة القائمة التي ما زالت حلولها تراوح في المكان.

ويوعز البعض أنّ من أهم أسباب تفاقم هذه الظاهرة هو غياب تطبيق النصوص القانونية، لا سيما أن القانون السوري يؤكد على أن عقوبة المتحرش اللفظي هي الحبس من يوم إلى عشرة أيام فقط، أما إذا كان تحرشاً جسدياً فتكون العقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاثة سنوات، أي أنّ عقوبتها لا تتعدى عقوبة الجنحة وإن أغلب الحوادث التي تقع لا يُؤخذ بها على محمل الجد، ولا تتم ملاحقة مرتكبيها من قبل أجهزة الشرطة، أو حتى الضحايا الذين يتعرضون لهذه الاعتداءات، وفي غالب الأحيان يظلون خارج الملاحقة القانونية، نتيجة عدم تقديم أي شكوى قانونية ضدهم ما يجعلهم طلقاء!.

فالتحرش بالتأكيد يزداد في المجتمعات التي تعاني من تفكك أخلاقي، وتعيش أزمات نفسية وأخلاقية، ولهذا فإن المطلوب هو منح الثقة للأبناء ليتحدثوا عن كل ما يتعرضوا له لجهة حمايتهم في المرات القادمة.
وفي احدى الحالات تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي في سوريا لقضية تعني احدى الأطفال التي تعرضت للتحرش والاغتصاب، ومن ثم القتل، وإن أكثر المستهدفين هم الأطفال المعاقين الذي يعدون أكثر سهولة من غيرهم للإيقاع بهم واستدراجهم بطريقة ما، والسبب الرئيس وراء ذلك ارتفاع نسبة التحرّش في سوريا هو الكبت الجنسي الناتج عن عقلية مجتمعية متكاملة، فضلاً إلى ما أفرزته الحرب والأزمات الاقتصادية التي أدت إلى صعوبة تكوين عائلة، وارتفاع أجور السكن، ناهيك بالاكتظاظ السكاني. وفي الفصل الخامس من المادة 156 من قانون حماية الطفل السوري، الذي يعالج حالات الاعتداءات الجنسية، حيث وصلت العقوبات في هذه المادة إلى حد السجن إلى 21 عاماً مع الأشغال الشاقة لكل من يُثبت تحرشه بطفل وأذيته، وبصورة خاصة من كانت له صلة قرابة بالطفل المتحرَّش به، وتزداد العقوبة لدى المتحرّش بأطفال لديهم عاهة جسدية أو عقلية.

اليوم، وقد صارت هذه الظاهرة يعرفها كثيرون من قبل الآباء والأمهات ولم يعد السكوت عنها من قبل الأهالي التي يتعرض أبناءهم للاعتداء، إلا أنّ المطلوب هو حمايتهم من الشباب وغيرهم الذين يعانون من اضطرابات نفسية وجسدية، والانتباه إلى تحركات أبناءهم وتنقلهم وابقائهم تحت أنظارهم في حال زيارة الأماكن العامة، كي لا يقعوا فريسة هؤلاء المضطربين نفسياً، والذين يجهدون أنفسهم للايقاع بفريستهم واقتناصها، كما نأمل أن يأخذ القانون السوري بأشد العقوبات حيال التحرّش بالفتيات والسيدات كي لا تتفاقم هذه المشكلة، والحد منها مع مرور الوقت، ليكون المجتمع في مأمن واستقرار بعيداً عن أمثال هذه القضايا والمسائل التي صارت تطفوا على السطح وأصابت المجتمع السوري في الصميم!