تقف الشخصيَّة "المصلحيَّة" على أرضيَّة الشخصيَّة النرجسيَّة.
فالمصلحيّ أو الاستغلاليّ هو نرجسيٌّ في قعر ذاته، لأنه يأخذ منك كل شيء ويُطالبك بكل شيء، ويحاول ابتزازك ما أمكنه ذلك، لكنه غير مستعدّ لتقديم أي شي! لماذا؟ لأنه يظن في قرارة نفسهِ بأن الآخرين مجبرون على تقديم ما يقدّمونه له لأنه يستحق ذلك، وهو غير مضطر أصلاً إلى أن يرد لهم جميلهم، فهو لا يراه جميلاً أساساً، بل هو واجبٌ على الجميع القيام به!

لذلك هو لا يشعر بالخجل أو بالذنب إذا قام بهجرانكَ لحظة تنفيذكَ لرغبته فأنت صديقهُ الوظيفيّ!
ولأنه نرجسيٌّ بالفطرة فهو يعتقد ضمنيَّاً بأنه شخصٌ مهم، وبأنه أفضل من الجميع وبأنَّ كل من هم حوله قد خُلقوا لتنفيذ رغباته وتحقيق أمنياتهِ، فكل من يتعامل معهم هم إما جوقته وإما كومبارسه أو عمَّاله!
ويمكننا اعتبار "المصلحيَّة" هذه ميلاً نكوصياً (رجعياً) طفالياً. والطفالة هي التثبيت النفسيّ على سلوكيات الطفل في مراحل عمريَّة سابقة؛ حين كان الطفل تحت سقف أسرة مسؤولة عنه، ومجبرة على تقديم العطايا له دون مقابل.

وهذا النوع من السلوك "المصلحيّ" يظهر لدى الأشخاص الانتهازيين الذين لا يشعرون بالخزي لممارستهم نفس الحيلة المكشوفة بغية الحصول على المنافع والمكاسب.
والطفالة هنا ليست فقط في النرجسيَّة وفي مطالبة الآخر بالمنح والعطاء المجانيّ دون مقابل، بل هي أيضاً في سذاجة الطفل أثناء محاولته الحصول على شيء ليس من حقه، باستخدام الحيل المكشوفة والصبيانيَّة، ظنَّاً منه بأنه شخصٌ ذكي وغير مقروء أو ما يُسمَّى بالعاميَّة "حربوق".

وللتوضيح، دعونا نضرب هذا المثل:
شاب في الخامسة والعشرين من عمره، أقدمَ على خطبة فتاة ميسورة الحال. وكان هذا الشاب -طيلة فترة الخطوبة- يُكثر من دعوة خطيبته إلى المطاعم. وفي كل مرة كان يستعمل التكتيك ذاته للتملُّص من دفع الفاتورة، وذلك من خلال ربط توقيت رنَّة جواله مع موعد قدوم النادل الحامل للفاتورة، مدعياً بأن لديه اتصالاً مهماً، فلا يرجع إلى طاولته قبل التأكد من أن خطيبته قد دفعت الحساب.
وبعد تكراره لهذه الحيلة البالية مرَّاتٍ عدة قرّرت الفتاة فسخ الخطوبة. والغريب أنه، طوال تلك الفترة، لم يتنبَّه إلى رداءة أسلوبه، ناهيك عن سلوكه الدنيء أصلاً!

والحقيقة أنه عندما يبلغ الإنسان عمراً معيَّناً دون أن يبلغ الرشد النفسيّ المتجانس مع نموه الجسديّ، ويظلُّ عالقاً في مطبَّاتٍ نفسيَّة صادفها أثناء نموه ولم يستطع تجاوزها بالشكل السليم، يلجأ إلى التقهقر وإلى أساليب وسلوكيات سابقة كان يشعر من خلالها بالرضا عن الذات وتحصيل الرغبات. ثم يقوم بالتثبيت عليها لتغدو مع الوقت جزءاً لا يتجزَّأ من شخصيَّته وكيانه النفسيّ.
وهذا هو حال الأشخاص "المصلحيّين" النرجسيّين الذين ظلَّوا عالقين في مراحل نفسيَّة سابقة، ولم يستطيعوا تجاوزها.
لذلك يجب ألا ننظر إلى هذه المشكلة من منظارٍ أخلاقيّ فقط، بل علينا التعامل معها كاضطرابٍ نفسيّ يحتاج إلى علاج.

(*) باحث سوري في علم النفس التحليلي.