هالني كثيرا ما أراه من حالات الطلاق التعسفي الذي يقوم به بعض الأزواج الذين يرمون زوجاتهم التي قضين حياتهن خدمة لعائلتهن، في لحظة طيش وتجبر واختلال الضمير أو غيابه، بغية تجديد حياته التي اهترأت في مفهومه المرضي، فهذه المرأة التي تحملته سنوات لم تعد تلبي جشعه وأطماعه المرضية، كل ما نالته هذه الزوجة كلمات جارحة وتعنيف وضرب وإهانة، دون وجود أي أسباب تذكر.
نساء بأعمار أمهاتنا وجداتنا بالمحاكم بدل أن يكن في أماكن تليق بمقامهن وأعمارهن وأتعابهن، فمهما تم تكريمهن لا شيء يضاهي مقدار أنملة من تضحياتهن، فقد قدمن أعمارهن لنكبر جميعا وتحملن قسوة الزمان لنعيش نحن في رخاء وسعادة، لكن أنانية الرجل دائما ما تجعله ينسلخ من كل القيم الإنسانية، ليتحول ذئبا أو ضبعا تتلاشى عنده كل قوانين الضمير وقيم العدالة وتهون عليه عشرة عقود من الزمن، وان استطاع أن ينفذ من قوانين الدولة، لا يمكنه أن يهرب من عدالة السماء.

*بعد سنوات من الزواج والإنجاب.. الزوجة الحلقة الأضعف في الطلاق*
لا أريد الخوض كثيرا في أسباب الطلاق ونتائجه، لكنني أركز في هذا المقال على حالة إنسانية تتعرض لها الزوجة في مرحلة عمرية قاسية لتجد نفسها في المحاكم أمام قضية طلاق، وكأنه الخنجر الأخير الذي يطعنها في الظهر، بعدما وهبت حياتها ووقتها لهذا الزوج ليرميها إلى الشارع دون رحمة ولاشفقة، فقط لأنه رجل(ذكر) يحق له أن يهينها في أي وقت شاء دون سابق إنذار، يخطط وينفذ، في وقت لم تكن تعلم أنه الوجه الكنيف من الزمن الغادر.
لاشك أن المرأة الشرقية تنظر إلى الحياة بعين أطفالها ومستعدة للتضحية بكل شيء لتؤمن لأسرتها العيش في استقرار، فتوفر لهم الراحة على حساب تعبها وشقائها، والزمن عندها لحظات تقضيها مع أبنائها الذين وإن كبروا تراهم صغارا تدللهم دون تذمر، ويُقال لها أنت خادمة لزوجك تفعلين ما تؤمرين والجنة تحت قدميه، أهي العبودية والجاهلية الأولى؟ تخاف المرأة من الطلاق لأنها بكل بساطة لاتريد لأبنائها أن يعيشوا يتامى ووالدهم حي، لكن أنانية الرجل في كثير من الأحيان تجعله ينسى ويتناسى ذلك، وكل ما يريده هو ممارسة هيمنته الذكورية على حساب رجولته (أتحدث هنا على الرجل الذي يطلق زوجته بشكل تعسفي حصرا)، وعندما تسأله عن أسباب الطلاق يأخذك يمينا وشمالا ويلقي اللوم عليها وحدها لأنها للأسف في مفهومه انتهت صلاحيتها.

*ندعو إلى قوانين لحماية المرأة المطلقة في سن الشيخوخة*
إن الرحمة والمودة هي أساس نجاح واستمرار العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة في كل مراحل حياتهما في ظل التحديات الكثيرة التي يواجهانها في حياتهما، لكن ما يجب التأكيد عليه أن هذه العلاقة قد تصل إلى طريق مسدود وقد يتعذر لهما الاستمرارية، وقد تصبح حياتهما جحيما، وليس لها من سبيل سوى الانفصال، وهنا من الصعب إرغامهما على البقاء، وفي هذه الحالة عندما تطلق المرأة في سن الشيخوخة للأسف القانون لا يؤمن لها حقها في بيتها، خصوصا أنها تجاوزت مرحلة حضانة الأطفال، لأن في مرحلة الحضانة يلزم القانون طليقها بتأمين بيت الحضانة للأم، لكن في مرحلة العجز لاشيء من هذا كله، فهل ترمى المطلقة في الشارع، وهنا لا أريد أن نتحدث فيما إذا كان لديها أبناء أم لا، إنما نتحدث على حقها أن تعيش في بيتها وفي مملكتها، وفي هذا السياق أتذكر أنني كنت في المطار ذات يوم والتقيت بامرأة قالت لي هناك مسألة تحزنها، فسألتها: ما هي؟ قالت: القانون لم يحم المرأة المطلقة في سن العجز. فانتبهت لذلك وبقي كلامها عالقا في أذني وراسخا في قلبي، وهنا أتحدث عن تعسف الزوج في استخدام الطلاق، لأنني أنا شخصيا لا يمكنني أن أتصور لا الرجل ولا المرأة في سن الشيخوخة خارج بيتهما الذي آواهما من كل صعاب الحياة ومرارتها، ولكني آمل أن تكون المودة والرحمة سبيلا للحفاظ على الزواج خصوصا في هذه المرحلة الدقيقة من العمر.