المتابع للقرارات التي اصدرتها المحكمة الاتحادية العراقية العليا منذ عام 2005 والى يومنا هذا والتي بلغت عددها - مع هذا القرار الاخير المجحف بحق شعب كوردستان والذي نص على عدم دستورية القرارات المتخذة عام 2022 بتحويل الاموال الى الاقليم والتي هي في الاصل مبالغ مالية لتمويل المرتبات الشهرية للموظفين والعاملين في القطاع العام في إقليم كوردستان - الى 1103 قرار، يجد ان جميعها ضد مصلحة شعب كوردستان، وكالعادة ومثل جميع المرات السابقة يظهر الرئيس مسعود بارزاني حاميا ومحاميا امينا لقضية شعبه ويصدر بيانا انتقاديا بهذا الشان واصفا قرارالمحكمة الاتحادية هذا بالموقف العدواني السافر وان المسألة ليست مسألة مالية بل ان المشكلة تكمن في خرق المبادئ والحقوق.

هذه ليست المرة الاولى -ولن تكون الاخيرة- التي يظهر فيها البارزاني كحامي الوحيد لمصالح شعب كوردستان وتطلعاته، فالتاريخ والوقائع تشهد على المواقف القومية الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى لهذا الرجل الذي دافع عن الكورد وحقوقه المشروعة في احلك مراحله التاريخية الى يومنا هذا، وان الجميع ليشهد على مواقفه الصارمة والرصينة في هذا الشان.

ان تشكيل الحكومة العراقية الجديدة ومساندتها من قبل الكورد والمشاركة في ائتلاف (ادارة الدولة) وبالاخص من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني كما اشار اليه البارزاني في بيانه (كان على أساس برنامج واضح ومفصل، وافقت عليه جميع القوى السياسية وان تأمين جزء من المستحقات المالية لإقليم كوردستان الذي يُعد حقا مشروعا لأهالي كوردستان كان ضمن هذا البرنامج وتم الاتفاق عليه).

لكن السؤال الذي يطرح لماذا هذا القرار من قبل المحكمة الاتحادية وفي هذا التوقيت بالذات حيث باتت الاجواء بين بغداد واربيل الان اكثرايجابية من ذي قبل؟
المعلوم انه في الاونة الاخيرة كانت هناك تقارب وتفاهم واضح وايجابي بين حكومة اقليم كوردستان والحكومة العراقية الاتحادية لحل المشاكل العالقة بين الجانبين وخاصة في مسالة النفط وحق الاقليم من المستحقات المالية المتمثلة برواتب موظفي الاقليم في القطاع العام، وكانت هناك زيارات متواصلة اضافة لوفود من مسؤولين في حكومة الاقليم الى بغداد، ايضا زيارة رئيس مجلس الوزراء لحكومة الاقليم مسرور بارزاني قبيل ايام الى بغداد لبحث الامورالعالقة وانهاء الخلافات الموجودة بين الجانبين بهذا الشان والمضي قدما بمبدأ (تجنب اية اجراءات تصعيدية) والتي كانت من ضمن المنهاج الوزاري في تشكيل الحكومة العراقية الحالية، الا ان قرار المحكمة الاتحادية الاخير زاد الطين بلة -كما يقال-، ويبدو ان الاوضاع ستغدو الى ظهور ازمات وصراعات مستقبلية بين الجانبين ان لم تتحرك الحكومة الاتحادية من جانبها والقوى الاخرى ايضا والتي شكلت معا الحكومة العراقية الحالية وتحدد موقفها واضحا تجاه هذا التطور الخطير وكذلك العمل على ايجاد حلول لانهاء هيمنة المحكمة الاتحادية وقراراتها التعسفية منها -وكما جاء في المنهاج الوزاري للحكومة العراقية- مشاركة جميع الأطراف في الاتفاق على إصدار قانون المحكمة الاتحادية خلال ستة أشهر، لأن هذه المحكمة الحالية لم تؤسس في إطار الدستور، فلا توجد أي فرصة لحل المشاكل في ظلها.

ان اصدار قرار المحكمة في هذا الوقت يحمل في مضمونه الكثير من التساؤلات والشكوك، واللافت للنظر ان الذين تجمعوا وعولوا على اصدار هذا القرار وسموا انفسهم (بالجنوبيين) بين قوسين، وشبهوا ارسال مستحقات الاقليم -والتي هي بالاساس قوت شعب كوردستان ورواتب موظفيه- بنزيف الثروات العراقية نسوا او يريدون ان ينسوا انفسهم بالاهدار الذي يحصل الان في العراق من امواله وثرواته -خاصة في الجنوب- والتي تذهب سدى الى هنا وهناك دون رجعة.

الرئيس مسعود بارزاني قال كلمته اليوم بحق ما صدر من المحكمة من قرارها المجحف تجاه مستحقات شعب كوردستان، الموقف رسالة واضحة الى هرم السلطة في العراق ان ما جرى اليوم -ان لم يصحح- ما هو الا بداية خطيرة لمجمل الوضع السياسي في العراق، وان الشراكة التي بُنيت عليها الحكومة الحالية ستصيبها صدع كبير وان التئامها ليست بامر هين كما يظنون.