كم من الأخطاء والعادات السيئة اعتدنا عليها ورسختْ فينا وكأنها قناعات وثوابت لا بد من الالتزام بها ومراعاتها ومنها القول الذي أضحى مأثورا مقنعا على سوءاته (ومن طلب العلا سهر الليالي) بينما الصحيح والنافع كما يُخيّل لي ان نقول: (ومن طلب العلا أنجز ما عليه في نهاره ونام مبكرا) وكما يقول أهلنا في الشام بلهجتهم المحببة: "نمْ بكير وأصحى بكير وشوف الصحة كيف بتصير".

أحار دائما وأقلق على أجيالنا المقبلة وأقول مع نفسي متسائلاً: كيف لي ان أقنع أولادي وأحفادي الساهرين على ألواحهم الالكترونية وهواتفهم الذكية وهم يضيعون في رحاب الانترنيت ومتاهاته ويتحادثون مع أصدقائهم -افتراضيين وحقيقيين- في العالم الأزرق ، وغالبا ما أقول لهم وأوضح لهم ناصحاً ومحذراً بان جهازهم المناعي في الجسد يضعف كثيرا عند السهر الطويل ولم يعد قادرا على مجابهة الفيروسات والبكتريا ومن السهل ان يستقبل العدوى من الأجواء غير السليمة وهناك من المرضى ولا يقاوم الأورام الخبيثة ويكون مرتعا لها؛ فالنوم المبكر وخاصة في الغرف غير المضاءة أكثر قدرة على التصدي للعدوى ومجابهة الفيروسات أيا كان نوعها سواء بكتيرية ام فطرية ويساعد على راحة خلايا الجسد وتجديد نفسها وبعث القوة فيها إضافة الى إزالة التوتر والقلق وإراحة الجهاز العصبي والاسترخاء والهدأة النفسية التي كثيرا ما تؤخر حالات التقدم في السنّ وحالات الشيخوخة وإبطاء ظهور التجاعيد وبروز إشراقة طلعة الوجه واختفاء الكلَف الأسود حول العيون.

ويتيح النوم المبكّر لكبار السنّ من أمثالنا والمبتلين بدزينة أمراض أن ينعموا بالهدوء والسكينة لأن النوم يساعد مرضى السّكري على تنظيم نسبة السكّر في دم الانسان عند الاستغراق في النوم ويخلق التوازن المطلوب في ضغط الدم العالي والواطئ عند الاسترخاء في الفراش حتى ان الجراح والندوب تلتئم بشكل أسرع وتبرأ عاجلا مما لو كان الإنسان في حالة صحو أو يقظة.

يبدو أن أولياء الامور لم يعد يعبئون بنصائح الأمس التي تلقيناها ونحن على مقاعد الدراسة بشأن النوم المبكر الذي يساعد الأطفال على النموّ الصحيح والسليم في الجسد والعقل معا من خلال زيادة إفرازات هورمونات النموّ عندهم واكتساب الطول المناسب والقوام الجميل في هيأة الانسان وشكله الخارجي من خلال تقوية كافة العضلات ونمائها بالشكل الذي يؤدي الى بعث النشاط الجسدي وتجديده وصولا الى تنشيط مهام العقل الإبداعية وفق قاعدة (العقل السليم في الجسم السليم)، وايضا يعمل الاسترخاء على طرح بقايا السموم العالقة في الجسم والأوساخ الممزوجة في الدم وتحسين عمل الدورة الدموية الكبرى والصغرى بحيث يجول الدم مرحا مبتهجا في أنحاء الأوردة والشرايين مثل عاشقٍ سعيد الحظ يأنس ويستمتع في حديقةٍ غنّاء مع حبيبته.

فالراحة الجسدية وأخذ قسط وافٍ من النوم تقلل من مخاطر النوبات القلبية والسكتات الدماغية وانسداد الشرايين وتؤدي الى تحسين أنشطة الدماغ والجهاز العصبي والقدرة على الإيغال في التفكير السليم وإضفاء المزيد من الجمال في العيون وزيادة بريقها ولمعانها، وهذا هو المغزى الأساسي لحثّ الطلبة على النوم وأخذ قسطٍ وافٍ من الراحة قبيل مواعيد الامتحانات لأجل تحقيق النجاح لترتقي عقول وأجسام أولادنا معاً.


[email protected]