من جديد تعاود سوريا مواصلة العلاقات مع عدة من الدول، بعد حالة من العزلة التامة والعقوبات المفروضة، حيث تغيرت الاتجاهات والمواقف تجاهها على المستويين الإقليمى والدولى، وذلك على خلفية الأزمات الأخيرة والتي لحقت بها، وربما يسعى النظام السوري إلى ترسيخ قواعده، عقب سنوات من سيولة سياسية تخللتها كافة أنواع الصراعات، عُرفت خلالها سوريا بساحة تصفية الحسابات الإقليمية والدولية.

ومنذ قرار مجلس الأمن الشهير 2254، وبموجبه تمت الدعوة إلى حتمية إنهاء الصراع فى سوريا، مع التأكيد على حق الشعب السوري فى تحديد مستقبله، أيضا دعوة الأطراف السورية للمشاركة فى مفاوضات الانتقال السياسي، وكله تحت إشراف الأمم المتحدة، والأهم صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات نزيهة، ليعقب القرار فشل مباحثات جنيف، ومن ثم تمكن الأطراف الدولية من تعميق انقسامات الداخل السوري، وسط سيطرة واضحة من روسيا وإيران بحجة دعم النظام، بالمقابل احتلال تركيا لمناطق بعينها أبرزها عفرين حيث الشمال السوري، عقب الانسحاب الروسي المحدود والمنظم على إثر انشغالها بصراعها مع أوكرانيا.

تطبيق العقوبات على النظام السوري، من قبل الكبار سواء الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، وشملت عددا من السياسات العسكرية والاقتصادية والتي فرضت على النظام ومعاونيه، ساهم بشكل أو بآخر فى استمرارية الدعم الروسي والإيرانى أيضا للنظام السوري، فمن جهة تضمن الدولتان تحقيق مصالحهما بالتواجد فى قلب المنطقة، ومن جهة أخرى مواجهة النفوذ الغربى حتى بعد قانون "قيصر" والذي أقره ترامب فى مضاعفة منه للعقوبات على سوريا، وبموجبه تمتد آثار العقوبات وسياساتها لتشمل حلفاء النظام.

ومع الزلزال الكارثي الأخير وحجم الخسائر والتي لحقت بسوريا، برزت العديد من التحولات الواضحة، خصوصا على المستوى الإقليمي _تحديدا_ الموقف العربي وإسراع بعض الدول العربية وفى المقدمة مصر والإمارات من أجل مساندة سوريا، حتى السعودية لم تتأخر بالرغم من الخلافات واختلاف المواقف بشأن طهران، والأبرز زيارة وفد الاتحاد البرلماني العربي وضم أكثر من 7 دول عربية فى موقف دعم صريح، حتى تونس والتي أعلنت عودة العلاقات مع سوريا على نحو صريح، وإن تأخر المجتمع الدولي والذي اتجه بكامل طاقته إلى تركيا، وترك السوريين لمصائرهم، ومع ذلك لم ينجح حتى فى تحجيم النظام السوري، أو حتى تمكن من استغلال المساومات السياسية فى صياغة معادلة سورية تشمل الأطراف كافة ويقبل بها الأسد، والذي أجاد بحق توظيف أزمات سوريا من أجل تأكيد سيطرته، خصوصا فى المطالبات بالمساعدات، والتشهير بالمجتمع الدولي فى تأخيره عن الوصول إلى سوريا.

احتمالية عودة التطبيع وفك العزلة _ولو بشكل محدود_أصبحت واردة، مع القبول الإقليمي بنظام تأقلم مع عقوبات امتدت لسنوات، ولن يقبل بأطراف أخرى، ومن ثم ارتفاع حدة التخوفات جراء تعميق الانقسامات، وغياب الحل السياسي كسيناريو محتمل للوقوف على إنهاء الصراع، ولا أدل من الضربة الإسرائيلية الأخيرة، والهجمة التي جمعت أمريكا والمعارضة السورية "سوريا الديمقراطية"، أضف استمرارية تواجد الحلفاء فى المقدمة إيران _وتصريحاتها الأخيرة بصدد قبولها عودة سوريا إلى التطبيع العربي فى مناورة واضحة_ ، أيضا تغير اتجاهات أطراف بعينها وأبرزها تركيا والتي تحولت عن المعارضة فى اتجاه النظام، والأصعب هو تراجع الأوضاع الاقتصادية إلى مستويات غير مسبوقة، أضف أيضا تقديرات البنك الدولى لحجم الخسائر والتي لحقت بسوريا مؤخرا متخطية 5 مليار دولار، النصيب الأكبر لحلب تلتها إدلب، وجميعها شواهد كفيلة بتهديد الوضع السوري.

غير أن التدخل العربى السريع، نبع من إدراك تام لصعوبة أوضاع المشهد السوري بشكل عام، وليس فقط على خلفية الأزمة الأخيرة، فى محاولة لوقف التدخلات الخارجية، الدور المصري ايضا جاء قويا وفاعلا، منذ مهاتفة الرئيس السيسي لنظيره السوري وعقب الأزمة مباشرة، وحجم المساعدات والتي تكفلت بها مصر، وتجاوزت 1500 طن من المساعدات، وحتى استمرارية هذا الدعم وهو ما برز أيضا فى زيارة سامح شكري إلى سوريا بهدف التأكيد على التضامن المصري والإشارة إلى حتمية العلاقة بين الجانبين كونها تعد ركنا أساسيا ضمن أركان تثبيت المنطقة، وإن ظلت هناك عدة مستهدفات عربية بشأن سوريا، أبرزها إصلاح الداخل السوري وإعداد إستراتيجية سياسية تضع فى اعتبارها كافة القوى السياسية والحركات، مع حفظ السيادة السورية.

[email protected]