يبدوا الطريق بات معبدا أمام النظام السوري لإنهاء عقد من العزلة الإقليمية، بعد أن أصبحت الرياض بثقلها السياسي المؤثر في المشهد العربي أول المنادين بضرورة مراجعة السياسات التي أدت الى قطع قنوات الحوار مع دمشق، يأتي هذا في ضخم مرحلة مليئة بالتحولات السياسية والتي أفرزت مفاجئات كبيرة يأتي على رأسها موقف أنقرة الجديد من النظام في سوريا، وتقارب القاهرة مع دمشق فضلا الخطوات المتسارعة والاتصالات السرية والعلنية التي ترعاها كل من الرياض وأبو ظبي تمهيدا للعودة السورية الى الجامعة العربية.

وفيما تبدي الدوحة موقفا ثابتا من نظام الأسد يبدوا أن الرباط لا تمانع في عودة العلاقات الديبلوماسية مع دمشق شريطة أن تتحصل على ضمانات من نظام الأسد بعد التعاون مع إيران لدعم جبهة البوليساريو وقد جاء تلميح المغرب عبر مقال نشر في جريدة هيسبريس الشبه رسمية والتي ربطت من خلاله مسألة التطبيع مع الأسد بموقف سوريا من السيادة الترابية... ولكن لماذا تصر الدوحة مرارا وتكرارا على موقفها الرافض لأي تسوية سياسية مع دمشق تشمل بقاء الأسد على رأس السلطة ولماذا وافقت على فتح صفحة جديدة مع السيسي رغم الخلاف العميق وأصرت على رفض الأسد؟

جاء في بيان دولة قطر على هامش الحوار التفاعلي مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية، يوم الثلاثاء أن الحل السياسي في سوريا قد وصل إلى طريق شبه مسدود، بسبب عدم جدية النظام السوري، كما أكدت قطر مجددا على ضرورة التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2254 وهو ما يعني أننا أمام تجدد الخلافات في التوجهات بين الدوحة من جهة ودول الخليج من جهة أخرى أي أن أي خطوة لإعادة سوريا الى الجامعة العربية عبر قمة الرياض المقبلة ستقابل بالرفض وان اتجهت الرياض الى فرض الأمر الواقع فان الدوحة قد تنسحب من القمة بمجرد أن يبدأ ممثل النظام السوري في القاء كلمته أو ربما ستقوم من خلال كلمة ممثلها بهجوم عنيف على نظام الأسد داخل قبة الجامعة العربية.

يمكن أن نربط الموقف القطري من النظام السوري سوريا بالموقف الأمريكي الذي يصر على نفس اللهجة، ومن منطلق أن قطر حليف استراتيجي رئيسي للإدارة الأمريكية خارج منظومة الناتو فهي ترى أن الصراع الدائر بين موسكو وواشنطن لا يزال يلقي بظلاله على الملف السوري ولهذا فان الاقتراب من نظام الأسد يعني ضربا لتلك الشراكة الاستراتيجية التي تجمعها مع واشنطن ونقطة تحسب لموسكو التي أفسدت مسار الثورة في سوريا وقلبت الموازين رأسا على عقب ولهذا فان قطر لا تملك خيارا في هذه المسألة خاصة في هذا الوقت الحساس الذي لا بد أن يشعر فيه حلفاء موسكو بأنهم معزولون ومنبوذون وبما أن الأسد حليف روسيا الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط فان هذا يستدعي من الإدارة الأمريكية أن تصر على إبقاء سوريا في عزلتها بل حث حلفاءها على ضرورة معاقبته وفتح ملف الجرائم المتعلقة بأحداث الربيع العربي وما سمي بقمع الثوار وجرائم الإبادة الجماعية.

ربما كان للتحولات الإقليمية واتفاق العلا دور كبير في إعطاء دفع لمصالحة مصرية قطرية من باب تقاطع المصالح الاقتصادية بين القاهرة والدوحة ولكن هذا لا ينطبق على الحالة السورية فالإمارات وروسيا وتركيا هم الاقرب لتحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة في سوريا ما بعد مرحلة نهاية العزلة كما أن رضى الادارة الأمريكية على التقارب القطري المصري لا يمكن أن يكون موجودا في حال التقارب مع سوريا وهو ما يجعل فكرة التقارب خالية من أي مكاسب لدى قطر تستبعدها في الوقت الحالي.

حسب المؤشرات الراهنة من الصعب تصور مفاجئة في الموقف القطري تجاه سوريا، ولكن الدوحة ربما قد تتعامل ببرودة مع ما سيحدث، ولا تمانع بعودة سوريا الى الجامعة العربية كي لا تضع نفسها في مشاكل قد تعيدها الى عزلة إقليمية ديبلوماسية، خاصة وان الرياض وان فشلت في الوصول الى اجماع عربي في الشأن السوري بسبب موقف الدوحة فإنها لن تمرر ذلك مرور الكرام.