رغم قصر المدة يلاحظ أنه كتب الكثير عن الاتفاق السعودي الايراني برعاية الصين.. ولا يزال يتحمل أكثر من التعليق والرأي والمتابعة والمراقبة، كما حظي بردود فعل وترحيب من دول المنطقة والعالم بمختلف توجهاته عدا (اسرائيل) لاسباب تتعلق بتأثير الاتفاق على محاولاتها للتمدد أكثر في المنطقة من خلال عمليات التطبيع أو تهديداتها ضد هذا الطرف أو ذاك على حد اصحاب هذا الرأي، وكذلك امريكا التي لا تريد للصين أن يكون لها حضور في منطقة تعدها حكرا لها إضافة لما لهذا الاتفاق من إنعكاسات مباشرة على أمن المنطقة وإستقرارها وعلى القضايا العالمية وفي مقدمتها الطاقة وأزمات اخرى يمكن أن يساهم في حلها أو التخفيف منها كالازمة الروسية الاوكرانية والمشاكل التي تعاني منها المنطقة في اليمن وسوريا ولبنان وغيرها وتأمين امدادات الطاقة الى العالم ومنها الى الصين راعية هذه المبادرة لحسابات تتعلق بدورها الجديد في المنطقة ومشروعها السياسي والاقتصادي وظهرت اولى بوادره في هذه الخطوة الرائدة.

إن أي اتفاق يحصل في العالم هو بالتاكيد ينسجم مع مصالح الاطراف المشتركة فيه.. والاتفاق السعودي الايراني ليس استثناء من هذه القاعدة..

تناول محللون ومراقبون حسابات كل طرف منهما في توقيعه على هذا الاتفاق.. فهو يحقق نجاحا للطرفين والمنطقة.. فهو على سبيل المثال يتفق مع رؤية السعودية وخطتها لعام 2030 التي تحتاج الى بيئة أمنة ومستقرة دون تهديدات ليس على مستوى المنطقة فقط بل وفي ارتباطها بالعالم الذي تمده هذه المنطقة بعصب الحياة وهو الطاقة.. كما يستجيب لحاجة ايران الى الانفتاح على العالم بعد الاحداث الداخلية التي شهدتها والقطيعة والعقوبات المفروضة عليها والوضع الاقتصادي الصعب الذي تعانيه بسببها..

ان القطيعة التي امتدت لسبع سنوات (منذ عام 2016) والاشكالات والتطورات التي اعقبتها قد تترك قدرا من الشكوك والاحتمالات التي تقف عثرة بوجه تحقيق الاتفاق خصوصا وانه حدد مدة شهرين وهي ليست قصيرة لاستئناف العلاقات وفتح السفارات والقنصليات لكنها مناسبة ايضا لاختبار النوايا خاصة وأن بعضها مرتبط بقضايا خارجية مثل اليمن وغيرها وأي خطأ فيها يؤثرعلى الاتفاق حتما ويلقي بظلاله على مصداقية المبدأ الاساس فيه وهو احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية الذي رحبت به دول المنطقة وفي المقدمة الخليجية منها..

ان الاتفاق قبل أن يكون اختبارا لارادة طرفين هو اختبار حقيقي لنوايا (الذئب) الامريكي.. فهل تسمح امريكا ببروز قطب كبير مثل الصين ينافسها على منطقة تعتبرها حكرا لها واختبار كذلك للصين في مدى نجاحها في أن تكون ضامنة قوية لقضايا دولية ومنافسة لها وزنها ولكي تبرهن على قدرتها، لما لها من علاقة جيدة مع الطرفين وحاجتها الى ينجح هذا الاتفاق لانه باكورة دورها في المنطقة وقد يشكل لبنة في النظام الدولي الجديد الذي تسعى لايجاده ولكي تثبت أن لها القدرة على أن تكون منافسا قويا لامريكا في المنطقة وملء الفراغ الذي تتركه كما يخدم مشروعها (الحزام والطريق) ويوفر الاجواء الامنية والاقتصادية المناسبة لنجاحه ويثبت لها صواب رؤيتها ومسعاها لربط العالم بها اقتصاديا .

باختصار.. انه اختبار حقيقي لقدرة الصين على أن تكون لاعبا اساسيا ليس في الشرق الاوسط بل وربما في ازمات اخرى في العالم مثل الوساطة في الحرب الروسية الاوكرانية وقضايا اخرى في المنطقة وما اكثرها..

وهناك من يرى أن فرص نجاح الصين كبيرة في هذا المشروع لان استعدادها للعب هذا الدور بدأ مبكرا ومدروسا منذ عام 2017 واستمرت تطبخ به على نار هادئه وبنفس طويل ومباحثات تمهيدية بدأت في العراق وسلطنة عمان وتوجت بضمانتها ولذلك لم يكن مفاجئا لاحد..

فهل يتحقق للصين ما تريد..؟ أي بمعنى.. هل تسمح امريكا بهذه الانتقالة في منطقة تتحكم بطريق الطاقة الى العالم وتسمح بنجاحها لتكون الاساس لدور سياسي امني جديد للصين قد يجعلها الند المباشر ليس في الاقتصاد فقط بل وفي عودة القطبية الثنائية من جديد..؟ ذلك هو السؤال..؟

ان تعليق امريكا بانها كانت على اطلاع على المباحثات بين الاطراف.. وانها كانت تتابع عن كثب سلوك الصين في الشرق الاوسط ومناطق اخرى.. يضع المراقب في امام احتمالات كثيرة منها سعي امريكا لتعطيله بمختلف الوسائل خاصة اذا ما استحضر في ذهنه وعد بايدن بانه لن يترك فراغا تملأه الصين.. فهل يشكل الاتفاق صدمة حقيقية لامريكا او صفعة اخرى لبايدن وارادته بعد موقف (اوبك بلس) النفطي الذي لم يتفق مع سياسة واشنطن؟

اسئلة كثيرة.. ومدة شهرين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية كافية للاجابة على جميع التساؤلات بالنفي او الايجاب واختبار النوايا والافعال من كل الاطراف..