لعل من الغريب أن الأزمة السياسية الحديثة للسودان والصومال بدأت التشكل في الوقت ذاته عام ١٩٦٩ حينما سيطر الانقلابيون العسكر في كلا البلدين على السلطة. هذا المشهد الذي تكرر للأسف في الأوطان العربية ربما جاء نتيجة الصراع العسكري الذي عاشته تلك الشعوب مع المستعمر.

في الصومال على سبيل المثال، غزا البرتغاليون الساحل الصومالي في مطلع القرن السادس عشر، وتوالت الدول تتقاسم ذلك الساحل المطل حتى عام ١٨٨٩ حيث استقر الأمر على تقاسم بريطانيا وإيطاليا وفرنسا لأرض الصومال فيما عرف بالصومال البريطاني والصومال الإيطالي والصومال الفرنسي ولاحقا الصومال الاثيوبي. ونتيجة لمشاهد الاستعمار ومقاومته حتى عام ١٩٥٩، استقل الجزء الأكبر من الصومال عدا الجزء الفرنسي الذي نال استقلاله في ١٩٧٧، لكن المشهد المؤلم كان تجربة قيادة الصومال لنفسه للمرة الأولى كدولة واحدة، حينما سيطر العسكر بقيادة محمد سياد بري على الحكم عام ١٩٦٩ الذي أدخل بدوره البلاد في منعطف الانقسام، حتى سقط عام ١٩٩٢، فتقسم الصومال حينها إلى عشرة مناطق نفوذ مسلحة وعشائرية، ليعلن الصومال من يومها دخلوه في دوامة العنف والإرهاب والمليشيا.

ولعل العودة للسبب المذكور آنفًا أن تاريخ مقاومة الشعوب للمحتل قد ينشئ تراكمات عسكرية طامحة للحكم، مما يؤدي لرغبة في السلطة العسكرية عقب مرحلة الاستقلال. وعلى كل فلم يكن الشعب الصومالي آنذاك متحدا، حيث فاقم انقسامه الديني والطبقي من استمرار الصراع بين شماله وجنوبه حتى الآن.

اليوم لا بد أن يعرف السودانيون المنعطف الذي يتجهون إليه، فهو إما تكرار لمشهد مؤلم يعيشه الصومال وإما إرادة حكيمة توقف هذا النزيف الخطير بين أقطاب السلطة. وعلى كل، فإن الإطار الزمني لهذا المشهد المحزن في دولة عربية لا يبدو مطمئنًا، فأحد مؤشرات قياس الإطار الزمني للأزمات السياسية هو إجلاء الرعايا والبعثات الدبلوماسية، لأن ما قد ينتظر السودان قد يكون الأسوأ بعد انتهاء عمليات الإجلاء. لا يجدر بالسوادنيين الآن تقدير المخطئ من المصيب، أو توقع الغالب أو المغلوب؛ بل يجدر ممارسة الضغط لإيقاف الأزمة والبدء بخطة إنقاذ وتأمين العاصمة.

نقول للسوادنيين على لسان كل أصدقائهم، بادروا بالتوافق! ولا تكرروا نسخة الصومال.