لم نكن نتوقع في خضم الأزمة بين المملكة العربية السعودية وإيران أن تعود العلاقات من جديد، ولكن منذ عام من إطلاق سمو الأمير محمد بن سلمان تصريحات لصحيفة "أتلانتيك" الأمريكية عقب سؤال حول العلاقات مع إيران "إنهم جيراننا، وسيبقون جيراننا للأبد، ليس بإمكاننا التخلص منهم، وليس بإمكانهم التخلص منا، لذا فإنه من الأفضل أن نحل الأمور، وأن نبحث عن سبل لنتمكن من التعايش" أيقنا أن هناك نية لدى القيادة في المملكة العربية السعودية لإعادة المياه إلى مجاريها، فتصريحات سموه لم تأت في إطار تبييض الصفحات ولكن كانت في إطار الوعي السياسي والحنكة والحكمة التي جعلته يطلق مفاجأة من العيار الثقيل والتي شككت فيها أوساط إقليمية ودولية بسبب عمق الأزمة بين البلدين الذين شهدا قطيعة منذ العام 2016، هو عام فقط تجسدت فيه تصريحات الأمير محمد بن سلمان بشكل واضح لايدع مجالا للشك والتشكيك، فالاتفاق الذي جرى بين وزيري خارجية البلدين في الصين مارس الماضي سلط الأضواء عليه بين التكهن حول ما بعد الاتفاق فكانت تصريحات وزير خارجية إيران لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية التي أكد فيها أن التقارب مع السعودية ليس مجرد اتفاقية تكتيكية، وفي هذه الأثناء زيارة مرتقبة لمعالي وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان إلى طهران تصفها أوساط سياسية بالتاريخية، ويسبق الزيارة إعادة فتح إيران رسميا سفارتها لدى الرياض ، في المقابل واستعدادا لاستقبال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، فرش السجاد الأحمر في طهران لإعادة فتح الممثليات الدبلوماسية السعودية لدى إيران.

*الأمير محمد بن سلمان.. قال وصدق*
إن عودة العلاقات السعودية الإيرانية لم يأت فجأة، إنما الوصول إلى هذه المرحلة كان بفضل جهود مضنية من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التي تم ترجمتها واقعيا عقب تصريحاته مارس العام الماضي 2022، أكد خلالها لصحيفة "أتلانتيك" الأمريكية أن القيادة في المملكة قامت بمناقشات خلال أشهر لسماع تصريحات من القادة الإيرانيين والتي كانت محل ترحيب من المملكة العربية السعودية، وهذا ما جعل ولي العهد يطلق تصريحاته وهو على يقين وقناعة كاملة بتحقيق خطوات بناءة في طريق عودة العلاقات السعودية الإيرانية، ختمها آملا بمستقبل مشرق للبلدين الشقيقين.
إننا نرى أن سمو الأمير محمد بن سلمان عندما أطلق رؤية المملكة 2030 كان مصرا ومصمما على بناء علاقات إقليمية ودولية قائمة على مبادئ المساواة واحترام سيادة الدول و خصوصياتها لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة للتفرغ لبناء اقتصاد قوي شامل ومتكامل والذي تقوم وتحرص عليها الرؤية، وعلى ضوء الرؤية دفع الأمير محمد بن سلمان عجلة المصالحة بين بلاده وإيران لوضع حد للنزاعات التي تزعزع أمن المنطقة واستقرارها والتي تقف عثرة في تطور بلدان المنطقة وتحسين ظروفها الاقتصادية .

ومن هنا صدق الأمير قوله عندما أبدى نية الرياض في حل الأزمة مع إيران والتي توجت باتفاق بكين مارس الماضي ثم فتح سفارة طهران بالرياض وعودة العلاقات رسميا بين البلدين.

*ماذا بعد عودة العلاقات السعودية الإيرانية؟*
في المفهوم السياسي فإن الممارسة التكتيكية هي مجموع الأفعال والسلوكات التي تقوم بها الدول والجماعات والهيئات كرد فعل على ممارسات سياسية سابقة، والممارسة الاستراتيجية هي التي ترتبط بالمصالح والأهداف الكبرى التي ترمي الدول لتحقيقها على مستوى العالم الخارجي، ولاشك أن هناك تقاطعا بين المفهومين، فالعلاقة التكتيكية هي الممارسة السياسية التي تحول الاستراتيجية إلى إجراءات، ومن هنا بدأ عنوان عودة العلاقات السعودية الإيرانية الذي لن يبقى مجرد اتفاقية تكتيكية ولكنه سيتوج بعقد صفقات اقتصادية ضخمة وتبادل تجاري وتعاون استراتيجي يخدم مصالح البلدين، إضافة إلى مقاربة وجهات النظر في العديد من الملفات الإقليمية الساخنة التي أبدى فيها الطرفان العمل المشترك لحلها بتفعيل آليات الحوار وإطلاق مبادرات الحل السلمي باعتباره الخيار الأمثل واحترام مبدأ سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية بما لايخدم تحقيق أمن واستقرار المنطقة.