رغم الاحتلال وقساوة الظروف الاجتماعية والاقتصادية، تظل مظاهر العيد في فلسطين راسخة ومتوجسة، يحاول فيها الفلسطينيون القبض على شيء من الفرح لهم ولصغارهم، خاصة أن عيد الأضحى أو عيد اللحمة كما يحلو لهم مناداته، يأتي على وقع أزمة مالية، مصحوبة بغلاء فاحش للأسعار، والأدهى أنه يأتي في أوضاع أقل ما يقال عنها أنها متوترة.

أيام قليلة تفصلنا عن عيد الأضحى وسط مؤشّرات تنبئ بارتفاع جنوني في أسعار المواشي، في ظلّ لهيب أسعار السلع الأساسيّة في الأسواق الفلسطينيّة، والذي تفاقم جزء منها مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي ألقت بظلالها على الأسواق عالميًا، ناهيك عن الإغلاق والحصار الذي يفرضه الاحتلال على الاقتصاد الفلسطيني، حيث فرضت الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن الفلسطيني، ظروفًا استثنائية في كل المجالات، امتدت لتطال فرحة الأهالي في استقبال عيد الأضحى المبارك، حيث بات حُلمًا لدى كثير من الغزيين تقديم الأضحية، نظرًا للارتفاع الملحوظ في أسعار الأضاحي في قطاع غزة والضفة الغربية.

الظروف المعيشية الصعبة في قطاع غزة، وسوء الحالة الاقتصادية التي يعيشها منذ سنوات طويلة، أبقت فرحة سكان القطاع في ذبح الأضاحي "أسيرة"، خاصة أن سعر الأضحية في قطاع غزة يصل إلى 350 دولارا أمريكيا، رغم أنه يعد منخفض نسبيًا عن الضفة وباقي الأماكن الفلسطينية حيث تكاد تكون تكلفة الأضاحي في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، الأعلى في العالم بوصلها إلى أكثر من 700 دولار أمريكي، وهو مبلغ كبير جدا ويتجاوز الدخل الشهري للمواطن الفلسطيني بأضعاف مضاعفة، ناهيك عن ضعف القوة الشرائية التي أثرت على المواطنين بسبب الوضع الاقتصادي الصعب فالموظف الحكومي الذي لا يكفيه مرتبه الشهري لتغطية مصاريف الأكل والكهرباء وقضاء مستلزماته الضرورية فكيف سيكون بإمكانه ذبح أضحية بهذا المبلغ الخيالي.

وعلى عكس السنوات الماضية، تبدو الحركة هادئة في "أسواق المواشي" وهي الأماكن التي عادةً ما تكون مزدحمة أيام قبل عيد الأضحى، لكن ومع تردي الظروف المعيشية لأغلب الأسر الفلسطينية والتي أصبحت تحدد أولوياتها الضرورية، فقليل منها فقط من يرتاد هذه الأسواق استفسارا عن أسعار الأضاحي والتي في الغالب لن يستطيع المواطن البسيط شراؤها، لتظهر على الوجوه ملامح الاستغراب والدهشة من الحال الذي وصل إليه المواطن الفلسطيني، الذي أصبح عاجزا أمام الغلاء الكبير الذي مس جميع السلع وليس أضاحي العيد فقط، ما دفع بالكثير إلى الاشتراك بنظام الحصص "سُبع العجل" أو بحملات الأضاحي العالمية، إذ يكون سعر الأضحية مقبولاً مقارنة بسعرها داخل فلسطين، حيث تقوم عدة جمعيات خيرية في الضفة الغربية، بالإعلان عن التسجيل لتوفير الأضاحي في أستراليا، وذبحها على الطريقة الإسلامية الصحيحة، تحت إشراف لجان شرعية، لتصل بعد نحو شهرين من عيد الأضحى المبارك وعادةً ما يُفتح باب التسجيل لشراء الأضاحي من الخارج، قبيل عيد الأضحى بنحو شهر، ويستمر حتى ثالث أيام عيد الأضحى.

من جهة أخرى، وفي محاولة لإنعاش السوق بسبب الوضع الاقتصادي المتردي وقلة الأموال لدى العديد من الأسر الفلسطينية، لجأ العديد من التجار إلى نظام "تقسيط الأضاحي" على المواطنين، من خلال دفع ثمنها على دفعات شهرية، وهو أمر بالعادة يقبل عليه الموظفون بشكل خاص، وقد عمل بهذا الأمر الكثير من ملاك مزارع تربية المواشي، في حين أن العديد من ذوي الدخل المحدود أو العاطلين عن العمل يعتمدون على المؤسسات الخيرية التي عادة ما توفر أضحية للأسر المتعففة خاصة داخل قطاع غزة، هذا الأخير الذي دخل من أزمات متلاحقة، حيث أعلن برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة، وقف مساعداته الغذائية المقدمة لأكثر من 200 ألف فلسطيني في القطاع، بدءا من شهر يونيو/ حزيران الجاري، بسبب الأزمة المالية، فيما أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عن انهيار كامل وشيك، وذلك بعد تقليصها بشكل تدريجي لخدماتها الغذائية والصحية والتعليمية المقدمة هناك.

بين هذا وذاك ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطن الفلسطيني والتي ستؤدي بالضرورة إلى استغناء العديد منهم عن شراء أضحية لهذا العيد مكتفين بذلك ببعض الكيلوغرامات من اللحوم، لكن الأكيد أن أغلبهم لن يتخلى عن طقوس العيد التي لطالما تميزوا بها، لا يزال يحافظ الفلسطينيون على عادة التجهيز ليوم العيد من زيارة الأقارب وإعداد الكعك والمعمول، والتجهيز للأكلات المخصصة في العيد "كالفتة الغزاوية، والسماقية، والمنسف" في محاولة لخلق أجواء روحانية عساها أن تنسيهم واقع الاحتلال المزري.