في أوج عدوان المحتل الذي تعرضت له مدينة جنين الفلسطينية، منحت الجزائر كعادتها كمساهمة مالية للسلطة الفلسطينية بقيمة 30 مليون دولار لإعادة إعمار المدينة، التي ألحق بها دمار كبير في البنى التحتية مع تشريد العديد من الفلسطينيين الذين تركوا منازلهم بحثا عن ملاجئ آمنة، في قرار ينسجم تماما مع المواقف التي لطالما تبنتها الجزائر تجاه القضية الفلسطينية منذ سنوات طويلة.
الدعم الجزائري لجنين لم يكن مجرد دعم مادي فهو يحمل في طياته دلالات كثيرة ومهمة عن مدى عمق ارتباط الجزائر بفلسطين، والالتزام الدائم بالدفاع عن قضيتها العادلة ودعمها بأي شكل وبكل الإمكانيات المتاحة، خاصة أن الجزائر قد كثّفت من جهودها خلال الفترة الأخيرة لفائدة القضية الفلسطينية، فبعد أن قدّمت إعانة من أقل من سنة بـ 100 دولار، احتضنت العديد من جولات الحوار بين الفصائل الفلسطينية المختلفة فيما بينها وتوصلت إلى اتفاق "إعلان الجزائر" ببنود ورزنامة محددة، أملا في إنهاء الخلاف السياسي الداخلي وتوحيد الصفوف مرورا بمخرجات التاريخية للقمة العربية 31 والتي عززت بقراراتها الدعم، والمساندة للشعب الفلسطيني من أجل استرجاع حقوقه المشروعة، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف. كما ترافع الجزائر في المحافل الدولية والأممية من أجل تمكين فلسطين من عضوية كاملة في منظمة الأمم المتحدة والتعبئة لهذا المطلب الشرعي للشعب الفلسطيني.
الدعم الجزائري سبقه دعم قدمته دولة الإمارات العربية المتحدة بقيمة 15 مليون دولار لدعم عمليات إعادة تأهيل الخسائر في مدينة جنين ومخيمها، وهي المساعدات التي فتحت باب التساؤل حول الدور العربي في تحمل المسؤولية التاريخية تجاه فلسطين، في ظل التقاعس الأمريكي والأوروبي تجاه ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات، أدت إلى وقوع السلطة الفلسطينية في أزمة مالية حادة، حيث تعتمد هذه الأخيرة على مصادر مالية، منها ما هو محلي، من أموال الجباية والضرائب، وما إليها، وتشغل أموال (المقاصّة) حيزاً مهماً وتنتهج إسرائيل منذ سنوات سياسة الاقتطاع من الأموال الفلسطينية كبدل عن الكهرباء والمياه التي تزود بها الفلسطينيين، وعن الرواتب التي تدفعها السلطة في رام الله لذوي الأسرى والقتلى الفلسطينيين، حيث وصل إجمالي الأموال التي تخصمها إسرائيل من الأموال الفلسطينية بسبب الدفع لأهالي الأسرى والقتلى 30 مليون دولار شهرياً، و350 مليون دولار سنوياً.
من جهة اخرى تراجع الدعم المالي الخارجي بشكل كبير جداً منذ 2013، إلى أن وصل في العام الماضي 2022، وفق تصريح وزير المالية الفلسطيني، إلى نسبة لا تزيد عن 20% مقارنة مع السابق، في دليل واضح على التملص الغربي تجاه دوره تجاه القضية الفلسطينية.
قد يكون الدعم الممنوح من الجزائر والإمارات لجنين كفيلا لتعويض الخسائر الجسيمة التي لحقت بالمخيم، لكنه يبقى غير كافي لخروج السلطة الفلسطينية من أزمتها المالية الخانقة، ففلسطين قضية العرب جميعا، ومساعدتها هي مسؤولية الدول العرب جميعا، خاصة أن الدعم الغربي تناقص بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية حيث أصبح مشروطاً بقضايا سياسية، كإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، وأحياناً، اشتراطات أخرى، متعلقة بالمناهج الفلسطينية المقرَّرة في المدارس.
ما تحتاجه فلسطين ليس دعما ماليا فقط، بل التفاتة عربية حقيقية بالقضية الفلسطينية، وليس مجرد بيانات واستنكارات تجاه انتهاكات الاحتلال على الشعب الفلسطيني وممتلكاته، فعلى العرب اليوم الضغط على المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية لإجبار إسرائيل على دفع فاتورة وتكاليف كل عمليات التدمير والتخريب للممتلكات المدنية في الأراضي المحتلة، وهو ما يشكل رادعا لمنع إسرائيل من تكرار عدوانها، ما يستوجب مقاطعة إسرائيل كليًا وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الأعزل ولطالما واصل العرب الإغاثة فإن الاحتلال يواصل عدوانه وتخريبه للأراضي الفلسطينية دون هوادة لاستكمال تنفيذ مخططاته التي تستهدف قمع وطمس كل ما هو فلسطيني.
التعليقات