تواصل القاهرة مساعيها من أجل احتواء الأزمة السودانية المتفاقمة، فى ضوء إدراك مصر لقيمة وأهمية السودان، وإيمانها بعمق الترابط مع البلد الشقيق، وتأتى سيادة ووحدة البلاد مع حماية الشعب السوداني ضمن أبرز أولويات هذه المساعي، والأهم انتهاج الحلول السياسية فى إنهاء الصراعات فيما بين الأطراف المتشابكة، وربما ما يكلل جهود القاهرة المتواصلة هي استضافة قمة دول جوار السودان، والتي انطلقت _الخميس الماضى_ بمشاركة رؤساء دول وحكومات جمهورية إفريقيا الوسطى، تشاد، إريتريا، إثيوبيا، ليبيا، وجنوب السودان.

وفيما يخص انعقاد القمة، وربما قيبل انطلاقها، وبرزت فعالية الدور المصري والجهود المكثفة من قبل القاهرة، خلال عمليتي الإعداد والتحضير وتحديدا فى الدراسة والتقدير الجيد لعمق الأزمة وتعقيداتها، ومن ثم صياغة رؤية قابلة للتطبيق، تتماشى وتداعيات المشهد وتأثيراته إقليميا، وعليه إجادة اختيار الدول والمؤسسات المشاركة على المستويين الإقليمى والدولي، وهنا يمكن القول أن مصر تمكنت من وضع الإقليم فى مواجهة حقيقية مع الإشكالية السودانية حال استمراريتها، عبر تسليط الضوء على التبعات الكارثية.

وفي هذا الصدد تبلورت القناعة المصرية تجاه المشهد السوداني وكيفية إخراجه من عثرته على نحو جلي، فى عدة توصيات أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي وخلال القمة، عبر تأكيده حساسية المرحلة والتي يمر بها السودان، أيضا تداعياتها السلبية على أمن واستقرار المنطقة، خصوصا دول جوار السودان، مطالبا الجميع بضرورة توحيد الرؤية، مع اتخاذ القرارات المتناسقة والموحدة، وبالتشاور مع المؤسسات الإقليمية الفعالة.

وفي تأكيد على عمق الأزمة أشار الرئيس إلى أعداد القتلى والمصابين، على مدار الثلاثة الأشهر الماضية، بالإضافة أيضا إلى اللاجئين ونزوح الملايين إلى مختلف دول الجوار، مشيدا بأدوار هذه الدولة فى استضافة أعداد تذكر من النازحين، وبالرغم من محدودية الإمكانات والموارد، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية المتراجعة.

وحدد الرئيس أهم مقتضيات الموقف، وجاءت كالتالي، الوقف الفوري والمستدام للعمليات العسكرية، حفاظا على مقدرات الشعب السوداني الشقيق، ومؤسسات الدولة، والأهم الامتثال للحل السياسي فى التعاطي مع الأزمة، بالإضافة إلى مطالبة الأطراف السودانية بتسهيل ووصول المساعدات الإنسانية وإقامة الممرات الآمنة، مع وضع آليات، تكفل توفير الحماية اللازمة لقوافل المساعدات الإنسانية، ولموظفى الإغاثة الدولية لتمكينهم من أداء عملهم، بالإضافة إلى حوار جامع للأطراف السودانية، بمشاركة القوى السياسية، بهدف بدء عملية سياسية شاملة، والأهم تشكيل آلية اتصال تهدف إلى خطة عمل تنفيذية للتوصل إلى حل شامل.

وعن مصر تحديدا، فأوضح الرئيس السيسي استقبالها مئات الآلاف من الإخوة السودانيين، لتتجاوز الأعداد خمسة ملايين سوداني، بالإضافة إلى حجم المساعدات والإغاثات والتي تم تقديمها للداخل السودانى، مؤكدا على بذل المزيد لوقف النزيف والمحافظة على مقدرات شعب السودان.

وهنا يتبقى دور الأطراف السودانية فى التحرك السريع والعمل على هذه المقتضيات والاستعانة به، من أجل خروج آمن من الأزمة، غير أن ردود الأفعال من قبل الداخل السوداني ثمنت الجهود المصرية، وأعلنت القبول الواضح بمخرجات القمة، والتحرك من أجل التنفيذ على أرض الواقع، حيث رحب مجلس السيادة السوداني، وقوات الدعم السريع بالنتائج النهائية.

وفى ضوء القناعات المصرية، جاءت توصيات القمة، وفيها تمت مناشدة الأطراف المتحاربة على وقف التصعيد والالتزام بالوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار، وإنهاء الحرب وتجنب إزهاق أرواح السودانين وإتلاف الممتلكات.

التأكيد على الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، والتعامل مع النزاع القائم باعتباره شأنا داخليا، والتشديد على أهمية عدم تدخل أي أطراف خارجية في الأزمة حتى لا يطيل أمدها.

التأكيد على أهمية الحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها ومؤسساتها ومنع تفككها أو تشرذمها، وانتشار عوامل الفوضى والجريمة المنظمة في محيطها، ما يكون له تداعيات بالغة الخطورة على أمن واستقرار دول الجوار والمنطقة ككل.

أهمية التعامل مع الأزمة الراهنة وتبعاتها الإنسانية بشكل جاد وشامل ليأخذ في الاعتبار أنّ استمرار الأزمة سيترتب عليه زيادة النازحين والمزيد من الفارين من الصراع لدول الجوار، الأمر الذي سيمثل ضغطا إضافيا على مواردها، وسيتجاوز قدرتها على الاستيعاب، ما يقتضي ضرورة تحمل المجتمع الدولي والدول المانحة لمسؤولياتها في تخصيص مبالغ مناسبة من التحويلات التي تم الإعلان عنها لمؤتمر الإغاثة لدعم السودان والذي عقد في 19 يونيو 2023.

الإعراب عن القلق البالغ إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان وإدانة الاعتداءات المتكررة على المدنيين والمرافق الصحية والخدمية ومناشدة جميع أطراف المجتمع الدولي لتوفير المساعدات الإغاثية والنقص الحاد في الأغذية والأدوية، ما يخفف من وطأة الحرب على الأبرياء.

الاتفاق على تسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية المقدمة للسودان عبر أراضي دول الجوار، بالتنسيق مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية، وتشجيع العبور الأمن للمساعدات لإيصالها للمناطق الأكثر احتياجا داخل الأراضي السودانية، ودعوة مختلف الأطراف السودانية لتوفير الحماية اللازمة لموظفي الإغاثة الدولية.

التأكيد على أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية، يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار
الاتفاق على تشكيل آلية وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار يكون اجتماعها الأول في دولة تشاد، لاتخاذ ما يلي:

وضع خطة عمل تنفيذية تتضمن وضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ، لوقف الاقتتال والتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلفة في تكاملها مع الآليات القائمة بما فيها الإيغاد والاتحاد الإفريقي.

تكليف آلية الاتصال ببحث الإجراءات التنفيذية المطلوبة لمعالجة تداعيات الأزمة السودانية على مستقبل واستقرار السودان، ووحدته وسلامة أراضيه والحفاظ على مؤسساته الوطنية ومنعها من الانهيار، ووضع الضمانات التي تكفل الحد من الآثار السلبية للأزمة على دول الجوار ودراسة آلية المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الشعب السوداني.


[email protected]