قمة دول مجلس التعاون الخليجي مع دول آسيا الوسطى (أوزبكستان – تركمانستان – قرغيزستان - طاجيكستان – كازاخستان) التي انعقدت للمرة الأولى بين المجموعتين الأسبوع الماضي، تأتي في سياق ريادة آفاق وسياسات جديدة لدول مجلس التعاون الخليجي بحثاً عن تطوير العلاقات وتحديث الصلات بين كتلتين كبريين بينهما الكثير من المشتركات التي يمكن التعاون عبرها في قضايا الأمن والاقتصاد ومكافحة الإرهاب والتغير المناخي، وغيرها من آفاق التعاون المشترك.

كما أن هذه القمة تعتبر ثمرة لقمة وزراء خارجية المجموعتين التي انعقدت بالمملكة خلال شهر سبتمبر من العام الماضي 2022، حيث هيأ ذلك الاجتماع لوزراء خارجية المجموعتين ترتيبات كثيرة مهدت لهذه القمة.

لقد أصبح عالم اليوم ومتغيراته المتسارعة، مناخاً جاذباً للمضي قدماً في الكثير من سبل التعاون مع جغرافيا جديدة وجيوستراتيجية كمنطقة آسيا المركزية (آسيا الوسطى) التي تتقاطع حدودها مع كبريات دول آسيا وأورايسا كروسيا والصين، لاسيما وأن دول آسيا الوسطى تعكس اليوم نشاطاً جيوسياسيا مهماً عبر التكتلات الاقتصادية والأحلاف العسكرية التي تنخرط فيها تلك الدول، مثل منظمة شنغهاي، ومنظمة الأمن الجماعي، ولهذا كان الطابع الجماعي لهذه القمة التي ضمت المجموعتين نموذجاً متقدماً للأداء السياسي الذي ينتهجه مجلس التعاون الخليجي.

ويبدو واضحاً اليوم أن التقديرات الاستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليج تبحث عن تنويع الفرص والعلاقات ونسج التحالفات الجديدة كخيار ضروري وواقعي لمواجهة كافة الاحتمالات التي يضطرب فيها عالم اليوم، لاسيما على وقع الحرب الروسية الأوكرانية.

وفيما تتغير بوصلة السياسة مع المصالح، فإن تقديرات المصلحة الاستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي من حيث كونها شأناً خليجياً صرفاً، تجيز لمجلس التعاون عقد تحالفات مختلفة في سبيل تأمين المصالح العليا للأمن والسياسات في الخليج.

إن ما تتطلع دول الخليج العربية وآسيا الوسطى لفتح آفاق جديدة للاستفادة من الفرص المتاحة للتعاون المشترك في جميع المجالات يتمحور بصفة خاصة في "ما تمتلكه هذه الدول من إرث تاريخي وإمكانات وموارد بشرية ونمو اقتصادي". كما جاء في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر التي ألقاها الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي. فتلك العبارة المفتاحية في قول الأمير محمد بن سلمان هي تلخيص لمجمل الأهداف التي تتوخاها مصالح دول الخليج في مثل عقد تلك الشراكات الجديدة. وكان واضحاً من اعتماد خطة خمسية للعمل المشترك في مجالات تعاونية عديدة بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى، أن طبيعة الشراكة هذه المرة تتسم بطابع الحوار الاستراتيجي في المجالات السياسية والأمنية، الاقتصادية والاستثمارية، بين المجموعتين.

إن البحث عن الاستقرار والتنمية وتعزيزهما في مختلف أوجه العلاقات بين المجموعتين دال بذاته على استراتيجيات الفرص وسياسات التعاون المشترك والمنافع المتبادلة حيال ممكنات كثيرة يمكن الاستفادة منها في التعاون بين المجموعتين.

وقد جاء البيان مشترك شاملاً العديد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، ومن أهمها الاتفاق على تعزيز التعاون في مجال طاقة الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الرقمي والابتكار، والتكنولوجيا الخضراء. كما رحب البيان بقرار السعودية استضافة منتدى الاستثمار بين دول الخليج ودول آسيا الوسطى، في الربع الأخير العام الحالي، وبمبادرتي تركمانستان و قيرغيزستان لاستضافة منتدى الاستثمار بين دولهم عام 2024.

يدرك قادة مجلس التعاون الخليجي اليوم الآفاق الواعدة لتلك الشراكة التي سوف تعكسها نتائج الخطة الخمسية على المدى المتوسط والبعيد، وإذا كانت دول آسيا الوسطى اليوم تعتبر قطاعاً حيوياً من العالم لم يكتشف بعد، فإن هذا الاستباق الذي تفتتح به دول مجلس التعاون الخليجي فصلاً جديداً في هذا الصدد من الشراكة والتعاون يعتبر كذلك تجربة ستنعكس آثارها في مستقبل العلاقات بين المجموعتين.

إن هذا التفكير الاستراتيجي الذي كشف عنه قادة دول مجلس التعاون الخليجي يأتي في صلب الرؤى الجديدة التي تتوخى مصلحة وأمن دول مجلس التعاون الخليجي، فملفات مثل: الأمن وخطوط الطاقة والاقتصاد ومكافحة الإرهاب والتغير المناخي، ملفات لها علاقة عضوية بأمن جميع دول مجلس التعاون الخليجي، وخير ضمان للمصالح في تلك الملفات هو العمل الجماعي المشترك على مستوى الكتل والتحالفات التي يمكنها أن تحدث فرقاً إيجابياً في مسار التطوير والتحديث الذي تنخرط فيه اليوم كافة دول مجلس التعاون الخليجي من خلال شراكتها المتميزة مع كافة دول المنطقة والإقليم.

فالتفكير خارج الصندوق من ناحية، والتفكير الاستراتيجي القائم على ضبط المصالح المتعينة للأمن الخليجي المشترك، من ناحية ثانية، أصبح اليوم هو الرهان الاستراتيجي في سباق المصالح والتحالفات الذي تشهده المنطقة.

ولعل مجلس التعاون الخليجي اليوم عبر خططه الاستراتيجية ومساراته التي يرسمها متوخياً المصالح العليا لدول الخليج هو أنشط منظمة عربية إقليمية، نظراً للكثير من النجاحات التي حققها المجلس عبر مسيرته التاريخية التي تربو اليوم عن أربعين عاماً من فرص العمل المشترك والنجاحات المتجددة.