مع ترسيخ نظام الملالي القمعي الاستبدادي لمنهجه السلطوي باسم الدين بات جحيم الحياة في إيران أمراً يُصبح ويُمسي الشعب الإيراني، كما باتت انتفاضات الشعب الإيراني التي تقض مضجع النظام جحيما لا بد وأن يعيشه النظام حتى في منامه جراء ما فعلته يداه، ومع سكوت المجتمع الدولي على جرائم نظام الملالي بل ودعمه له بشكل مباشر وغير مباشر تستمر معاناة الشعب الإيراني وتستمر أزماته وهو المطلوب إيجاده لكلا الجانبين الملالي والنظام العالمي حيث لا بد من أزمة تمنح أحدهما فرصة البقاء في الحكم وتمنح الآخر فرصة ضمان مصالحه وتنفيذ مخططاته قدر الإمكان حتى حين، ومهما كانت شعارات الملالي ضد النظام العالمي فهي للاستهلاك الإعلامي ومهما كانت ردود أفعال النظام العالمي فهي أيضا مناورة وللاستهلاك الإعلامي، أما الخُطى العملية فقد كانت داعمة على الدوام مفيدة لجانب النظام مساهمة في التصعيد ضد الشعب الإيراني على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
الحلقة الأضعف والأكثر تضرراً في المجتمع الإيراني هي المرأة والطفل (المرأة كمُعيل مُنهك ومضطهد؛ والطفل ككيان يدفع ضريبة العجز السياسي والإداري والاقتصادي والاجتماعي داخل إيران)، وعلى الرغم من بؤس الحال وقهر الحاجة والفقر والغلاء وتعاظم طغيان وعدم أهلية السلطة فإن هناك من الأطفال من هم أفضل حال من أقرانهم من الجيل السابق لجيلهم فالجيل أو الجيلين السابقين للجيل الحالي الذي هو في مرحلة طفولته كانت معاناتهما أشد وأقصى إذ فقد الكثير منهم والده أو والدته أو كلاهما إما بسبب حرب الثمانِ سنوات أو بسبب حملات الإبادة الجماعية التي أفتى بها النظام أو جرائم القتل الحكومي تحت مسمى الإعدام، وأيضاً هناك من أطفال الجيل الحالي من فقد أباه أو والديه سواء بأحداث الانتفاضات المتعاقبة أو بأحكام الإعدام الجائرة أو بقتلهم على الحدود رميا بالرصاص لأسباب كالفقر والجوع ولا يستوجب ذلك القتل، كما لا تستوجب الكثير من الجرائم حكم الإعدام إذا كان هناك نظام إسلامي أو علماني عادل، وفي حالة كان الحكم في البلاد إسلامياً حقيقياً فلابد من توفير العدالة الاجتماعية التي تشمل مكونات المجتمع مسلمين بكافة عقائدهم وغير مسلمين كمواطنين رعايا لهم ما لهم من الحقوق وعليهم ما عليهم من الواجبات، وفي حال سرق أحدهم لا بد من تبيان قصور أدوات الحكم من عدمه قبل الحكم على السارق وفي الأغلب يجب إقامة الحد على الحاكم قبل السارق الذي يسرق لحاجته لأنه يقع تحت وفي نطاق مسؤولية الحاكم، وكذلك فإن فساد الرعية من فساد الحاكم وصلاحها من صلاحه، وأما أن يصل حال المرأة إلى العمل في مكبات النفايات تلتقط ما تقتات به أو ما يُعينها على الحياة فهذا عارٌ في دولٍ ثريةٍ كإيران والعراق وكلا الدولتين تعملان بنمطية ونسخة حكم واحدة وكلا أنظمة الحكم في الدولتين يدعي بأنه إسلامي وموالي لآل بيت رسول الأطهار وهكذا حال المرأة فيهما في حين كرم الإسلام المرأة، ولا ذنب للإسلام في كل ما يحدث على يد الملالي في إيران وأتباعهم في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وأزمة المجتمعات المصابة بوباء الملالي اليوم لا يقتصرُ سببها على هذا الوباء فحسب بل أيضاً على تيار الاسترضاء والمهادنة المُهيمن على النظام العالمي، والذي يقف في ظهر نظام الملالي ويغيثه كلما أوشك على السقوط، وقد أطلق أولئك المهادنون مليارات الدولارات لصالح الملالي لسد عجزهم داخل النظام وليتمكنوا من قمع الشعب الإيراني المنتفض وقتل نسائه اللواتي يقدن الانتفاضة الوطنية الجارية، وبعد رفض النظام العالمي وضع حرس الملالي على القائمة السوداء وعدم الاعتراف رسمياً بجرائم الإبادة الجماعية التي قام بها النظام ضد معارضيه وعدم الاعتراف رسمياً بحق الشعب الإيراني ومقاومته في الدفاع عن أنفسهم بكل السبل المتاحة لهم، وهنا لا نقول بأن الشعب الإيراني ينتظر موافقة هذا أو ذاك على كفاحه ونضاله من أجل الحرية لكننا نقصد أنه لطالما هناك مجتمع دولي بات اليوم يحتاج إلى إثبات شرعيته أكثر من أي وقت مضى ويسعى الشعب الإيراني ومقاومته أن يكونا جزءا صالحا من هذا المجتمع الدولي فإنه يتوجب على النظام العالمي أن يقوم بواجباته ويفي بتعهداته سواء فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني أو بالشعب الإيراني المنتفض أو الشعب اليمني الذي يدفع ويلات الحرب أو الشعب العراقي الذي يدفع ويلات حكم العصابات اللصوصية الإجرامية ومراكز القوى المنتفعة من السلطة على حساب الدولة العراقية ومواطنيها على حد قول ووصف الأمم المتحدة ضمنياً لما يجري في العراق، أما ما يجري في سوريا فهو أقبح وأشد قبحاً إذ جعل نظام الملالي سوريا مسرحا ومتنفسا لأزماته وجعل من خزانة العراق وإيران مصدراً لتمويل مؤامراته ومخططاته.
تدفع المرأة الإيرانية ثمن كل تلك الكوارث في إيران فالنساء هي أكبر تعدادٍ مُعيلٍ داخل إيران بسبب تبعات الحروب وجرائم الإبادة الجماعية والسجون التي تعج بالرجال، ومن النساء المسنات من يُعيل نفسه وأحفاده ومن النساء الشابات اللائي ترملن ويُعلن أطفالهن وأمهات وأخوات أزواجهن سواء في حالة وفاة أو قتل أو سجن الزوج، وليس هذا هو الأسوأ في الأمر وإنما الأسوأ أن تُواجهُ هذه المرأة بعقبات الحياة التي هي من صنع النظام أو من صنع أرباب الأعمال الذين هم جزءا من فساد النظام.
كان لي ذات يوم عندما كنت قاصراً في تفكيري أُختً في الله فقيرة حال صائمة مصلية ولها أخوين صغيرين يتيمين وأم مريضة تُنفِق عليهم.. وكنت أحترمها وأحرص عليها لتحملها هذه المسؤولية، وطلبت منها أن تتحجب حرصاً عليها فصممت لبرهة وكأنني جرحتها وأنا أعرف أنها أهل قيم والتزام ولصمتها خجِلت من نفسي وبادرت في الاعتذار فقالت لا تعتذر بل أنا أشكرك لكن دعني أقل لك أن هناك بعض الأمور التي تجهلها بشأن السوق (إن الملابس المُتعلقة بالحجاب الكامل أسعارها غالية ولا طاقة لنا بأسعارها، ونشتري ما يكفينا ونقدر عليه) وهنا أدركت أن مفهومي كان قاصراً وأن الظاهر لدى البشر لا يعبر عن واقعهم وللبيوت أسرار، وملالي الجاهلية هؤلاء أماتوا المرأة وأهلها ومن تعول جوعا وفقرا وحرماناً وبعض النساء ترتدي من الفقر رداءً واحداً منذ أكثر من عشرة سنوات حتى تغير لونه ولديها أولويات أهم من ذلك سواء كان ذلك طعاما أو دواءً أو متطلبات أطفال ومسنين.. ملالي السوء هؤلاء أتعبوا الناس وأهلكوهم ثم أتوا ليفرضوا عليهم فقرة من الدين بالإكراه والله يقول لا إكراه في.. يقولون إن الحجاب فريضة ونسوا أن العدل والإحسان أفرض ويقول الباري عز وجل (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي) فلابد أن يسبق العدل والإحسان والتراحم حتى يمكن النهي حتى الفحشاء والمنكر والبغي.. أما أن يكونوا لصوصا مقتدرين على التظاهر بالانضباط بفروض الدين أمام المجتمع وهم أفسد من إبليس ويأتون ليأمروا الناس بالبر وينسون أنفسهم فذلك ليس من الدين في شيء ولن يستمع لهم المجتمع بعد أن عرف حقيقة أن من يحكمهم ليسوا سوى مجموعة الجهلة اللصوص السفهاء تسلطوا على المجتمع باسم الدين فنهبوا ماله وأباحوا دمائه وأفسدوا حياته.
لا يوجد إنسان سوي على وجه يريد أن يعيش بلا كرامة إن توفرت له سُبل ذلك، فكيف إذا نزعوا منه سُبل الحياة الكريمة العزيزة أن يطالبونه بالعفاف دون أن يوفروا له مسببات الكرامة والعفاف.
لم يثر استغرابي ما أسمعه وأقرأه منذ عقود عن مأساة المرأة الإيرانية ومجتمعها بشكل عام بكافة مكوناته وفئاته، ولن يثير استغراب أي إنسان مُطلع مُنصف ذلك لأننا نعلم بأن الأمر أكبر مما هو مُعلن وأخطر مما هو مُصور لدى البعض، ولولا المرأة الإيرانية وتضحياتها لما وصل المجتمع الإيراني إلى هذا الحجم من الوعي والتكافل الاجتماعيين، والمرأة الإيرانية هي من صان الأسرة والمجتمع حين أفسده الملالي الذي حصروا الدين بين حلال وحرام وإقامة الحدود في حين أنه لا يجوز لمفسد إن يقيم الحد على فاسد.
لقد طفح الكيل لدى المرأة الإيرانية الحرة ولم يعد هناك مجالٌ للسكوت أو التخاذل خاصة عندما رأت أبنائها وأحفادها ومجتمعها وقيمها باتوا جميعا في خطر.. كان ولابد من النهوض في وجه عبودية الملالي المعاصرة للمرأة والمجتمع، لابد من النهوض حتى وإن تحالف النظام العالمي كله مع الملالي ضد المرأة الإيرانية ..........
31 مؤسسة حكومية لتفعيل مشروع اضطهاد المرأة الإيرانية
يقول محمد باقر قاليباف رئيس مجلس نظام الملالي أنه وفقاً لتقرير اللجنة الثقافية فإن هناك 31 مؤسسة لم تقم بواجباتها القانونية، وجزءاً من ذلك يرجع إلى أنه لم يكن هناك وضوحٌ في القانون، وهذا يعني أن النظام شكل وكلف 31 مؤسسة لدعم توجهات النظام القمعية، ولو أنهم أنفقوا على الشعب ما أنفقوه على أجهزتهم ومخططاتهم الإرهابية لتمكنوا من الحفاظ على التماسك الاجتماعي لدى الشعب لكن هذا النظام لا يجيد ولا يعرف غير لغة القوة ولن يرتدع إلا بالقوة.
إن مسؤولية ما يحدث للشعب الإيراني داخل إيران واستعباد للمرأة الإيرانية، ومسؤولية ما يحدث للمرأة في الدول التي يهيمن قطعان تابعة لنظام الملالي هي مسؤولية دولية ويجب على النظام العالمي أن يتحمل تبعاتها، فدعمه لنظام ولاية الفقيه ذهب ضحيته عشرات الآلاف من أبناء الشعب الإيراني في حراكه المدني، ومئات آلاف القتلى من العراقيين ومثلهم من السوريين واليمانيين وأكثر من عشرين مليونا من المشردين من الدول الثلاثة العراق وسوريا واليمن ناهيك عن مأساة لبنان وكوارثه.
لقد آن الأوان للنظام العالمي بأن يحمي القيم التي لطالما تغنى لربما تنطلي علينا أغانيه مرة ثانية.. علنا نستطيع أن نعيش الأمل في عالم بلا شعارات كاذبة.
التعليقات