قبل نحو أسبوعين، اتهم الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي روسيا الاتحادية، بأنّها تخطط لتنفيذ "عمل إرهابي" في محطة زابوريجيا النووية.
الاتهامات لم تتوقف عند زيلينسكي فحسب، بل أيدها أيضاً رئيس الاستخبارات لأوكرانية كيريلو بودانوف، وزعم أنّ موسكو أكملت استعداداتها من أجل الهجوم على المحطة، وذلك من خلال زرع عبوات ناسفة في 4 من أصل 6 وحدات نووية في المحطة، مدعياً أنّها ستقوم كذلك بتلغيم نظام التبريد!
على ما يبدو، فإنّ هذه المزاعم تدخل في إطار الحرب النفسية والتضليل الإعلامي التي تحاول أوكرانيا أن تمارسه منذ تعثّر هجومها المضاد. كما أنّها اتهامات غير قابلة للتصديق لسبب بسيط جداً، ومفاده أنّ الجيش الروسي يسيطر أصلاً على المحطة النووية في زابوريجيا، فلماذا يقوم باستهدافها أو تلغيمها؟ بل لأيّ سبب يفعل ذلك؟ وهل من المنطق أن يُعرّض الجيش الروسي أمنَ أكبر محطة نووية في أوروبا للخطر وهو موجود فيها؟
أدرك خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد فحوصات عدّة للمحطة، أنّ إجراءات الحماية التي تتخذها القوات المسلحة للاتحاد الروسي في محطة مدينة إنر غودار فعالة جداً. إذ قالت الوكالة إنّ الخلفية الإشعاعية في المحطة طبيعية، وتواصل المنشأة إنتاج الكهرباء بعدد محدد من الميغاواطات المطلوبة للاستهلاك.
وقد أفادت الوكالة قبل أيام، أنّ الجيش الروسي أقفل المفاعل الخامس في محطة زابوريجيا بالفعل، لكنّ فعل ذلك بهدف تسهيل أعمال الصيانة.
الوكالة أكدت أيضاَ من خلال خبرائها الموجودين على الأرض والذين زاروا المحطة مؤخراً من أجل تفقّد قلب المفاعل الخامس وكذلك حوض الوقود المستهلك، والمولد البخاري، أنّ جميع المعدات تعمل بشكل طبيعي.
وبذلك، تكون الوكالة، عبر خبرائها وتقاريرهم، قد دحضت المزاعم الأوكرانية، وأكدت أنّ معاينة المحطة لم تظهر أبداً العثور على الألغام أو المتفجرات على الإطلاق.
ومن المعروف أنّه منذ شباط (فبراير) من العام 2022، أصبح المحطة تحت سيطرة القوات الروسية. ومذّاك تقوم القوات الأوكرانية وبعض الميليشيات التي تقاتل إلى جانبها، باستهداف أراضي المفاعل النووي، ثم تلقي باللوم على الاتحاد الروسي.
أما اليوم، فيبدو أنّ الرئيس الأوكراني يخطط لأمر ما، ولهذا يحاول أن يتهم الروس بما يريد هو أن يفعله. إذ تشير المعلومات المستقاة من مصادر عليمة بما يجري على الأراضي الأوكرانية، وخصوصاً في زابوريجيا، إلى أنّ الرئيس الأوكراني واستخباراته هم من يخططون للكارثة. فقد استطاعت السلطات الروسية كشفَ مخططٍ للجيش الأوكراني، يفيد بأنّ كييف تستعد لعملية عسكرية واسعة من أجل السيطرة على نهر دنيبر.
العملية المذكورة التي كشفتها السلطات الروسية من خلال المقاتلين الأوكرانيين الذين تم اعتقالهم أو تصفيتهم، سيتم تنفيذها على طول القاع الضحل من النهر المذكور والمحاذي لخزّان كاخوفكا الخاص بتبريد المفاعل. وذلك لأنّه الجهة الأنسب من أجل نقل المعدات العسكرية الثقيلة من خلال عبور النهر... وهذا يعني أنّ المحطة النووية في زابوريجيا ربمّا ستكون في عين المعارك والمواجهات العسكرية.
المعلومات تؤكد أنّ الخطّة التي وصفتها الأوساط الروسية بـ"المجنونة"، نوقشت بين القوات الأوكرانية والرئيس زيلينسكي نفسه في بداية شهر تموز (يوليو)، وذلك خلال اجتماع في محطة ريفنا للطاقة النووية، حيث تم طرح سيناريوهات تحاكي تنفيذ استفزازات عسكرية محتملة في محيط محطة زابوريجيا النووية، من أجل دفع الجيش الروسي إلى الردّ.
ولا شك أنّ السير بالخطة الاوكرانية سيؤدي إلى كارثة محتمة. لأنّ تعرض مخازن الوقود النووي المستهلك أو المفاعلات في تلك المحطة، يمكن أن يؤدي إلى انفجار كبير بالمحطة، كما سيتسبب حكماً بكارثة تطال القارة الأوروبية برمتها، وقد تكون أكبر كارثة بيئية من صنع إنسان في تاريخ العالم، وسوف تهدّد الأوكرانيين بعواقب لا تُغفر.
لأنّ تضرّر المحطة سيؤثر على أوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا. بل سيطال تأثيرها أيضاً، كل من بولندا وألمانيا والنمسا وبريطانيا والنرويج وفنلندا والسويد وسويسرا.
وعلى الرغم من حداثة بناء محطة زابوريجيا وامتثالها لجميع التدابير الأمنية الممكنة، إلاّ أنّ الخبراء يؤكدون أنّها غير مصمّمة للمواجهات الأمنية أو لتلقي الضربات العسكرية، لأنّها ليست منشاة عسكرية، بل مدنية وقد تم تصميمه على هذا الأساس.
وعليه، فإنّ الخبراء يميلون إلى الاعتقاد بأنّ أيّ تعرّض لأنظمتها ومنشآتها قد تؤدي إلى عواقب يصعب السيطرة عليها، خصوصاً بعد أن عدّلت أوكرانيا تكنولوجيا المحطة، وتحديداً تجهيزات "تخزين الوقود النووي المستهلك"، الذي بات يتمّ وفق تكنولوجيا غربية قائمة على أسلوب التخزين ضمن حاويات خرسانية خاصة وسميكة، لكن ضمن منطقة مفتوحة.
ولهذا يؤكد الخبراء أنّ هذه الطريقة من الحماية (أي في ظروف جوية مفتوحة)، لا يمكنها أن تصمد أمام الاستهداف العسكري والقصف المدفعي والصاروخي.
وفي الآونة الاخيرة، تمّ بالفعل تسجيل إصابات بواسطة قذائف استطاعت أن تُلحق أضراراً بأجهزة استشعار مزروعة في محيط المحطة. ومن هنا يظنّ الخبراء أنّه لا يمكن استبعاد حدوث تلفٍ في تلك الحاويات في حال تعرّضها لإصابات مباشرة.
وعليه، ترجّح المصادر أن يكون الاقتحام الأوكراني للمحطة، بمنزلة عملية تخريب مستودع النفايات المشعة تحديداً.
ولمحطة زابوريجيا أهمية كبرى، تكمن في أنّها أكبر محطة لتوليد الكهرباء بواسطة الطاقة النووية في كامل أوروبا، وهي قادرة على إنتاج نحو 5700 ميغاواط عندما تعمل بكامل طاقتها.
وتوفر المحطة الكهرباء لمناطق زابوريجيا، نيكولايف، خيرسون، وأوديسا في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه تمدّ دولاً أوروبية عدّة بالطاقة الكهربائية، من بينها بولندا ورومانيا وسلوفاكيا ومولدوفا... وهذا ما يجعلها هدفاً رئيسياً لدى أوكرانيا والدول الأوروبية والغربية من أجل إستعادة السيطرة عليها مجدداً!
وبناءً على هذه المعطيات كلّها، يتوجه الخبراء إلى العالم بأسره برسالة تذكير، تفيد بأنّ كارثة تشرنوبيل التي وقعت في العام 1986، كانت انفجاراً في مفاعل واحد، بينما زابوريجيا عبارة عن 6 مفاعلات... وهذا كفيل برسم صورة سوداوية عن حجم الكارثة التي يمكن أن تحلّ على البشرية، في حال تأذّت المحطة بأيّ عمل أوكراني طائش.
التعليقات