لا يُخفى الآن على الشارع العراقي بأن معظم الكُتاب والمحللين السياسيين هنا في إقليم كردستان، باتوا ينتقدون يومياً وبشدة حكومة الإقليم على عدة أمور، أهمها غياب إلتزامها الكافي ببرنامج كابينة الحكومة وقصورها الإداري في تنفيذ الوعود والمشاريع، أو العدالة المرجوة في توزيع الثروة والخدمات على مناطق الإقليم، أو تأخُّر إطلاق رواتب موظفيها في وقتها المحدد وما الى ذلك. وكل من يُتابع الإعلام الكردي ومواقع التواصل الإجتماعي لبرهة من الوقت سيدرك ذلك تماماً وبكل وضوح.
هذه الشريحة المجتمعية وبفعل تأثرها هي أيضاً بالأحداث والأزمات الخانقة في الإقليم، تتباع عن كثب الملفات السياسية والإدارية والدستورية، وصارت ترصد المواقف والتطورات التي تؤثر سلباً على مسار التفاهم مع الحكومة الإتحادية وجولات الحوار ومساعي الإتفاق معها وأبعاد الأزمات التي ترتبط مباشرةً بخلافات بغداد وأربيل.
والموقف هذا، الذي قد يوحي على أنه نوع من التوتر في البيت الكُردي، أو إضعاف ضمني لمكانة حكومة الإقليم وموقفها التفاوضي إزاء بغداد، لا ينبغي تفسيره من قِبل المتنفذين هنا في الإقليم بنظرية المؤآمرة، أو تسويقه على أنه في صالح الحكومة الإتحادية أو تدعيم هيمنتها على إقليم كردستان وسلطاته كما نلاحظ ذلك في خطاب بعض الفضائيات الكردية، ولا يجب أن يُستَغَل، في المقابل أيضاً، كمادة دعائية وإعلامية، لاسيما في الفضائيات العراقية، لتقديم صورة حكومة السوداني لدى الرأي العام كطرف غير مسؤول كلياً عما هو سائد في الإقليم من إعتصامات مجتمعية شبه يومية، لاسيما في أوساط موظفي إقليم كردستان الذين باتوا ضحية للخلافات، وأنما يستوجب أن يُفهَم الأمر على أنه ردود فعل ديمقراطية، ويمثل تعاطياً موضوعياً مع الأحداث وتعبيراً عن إرادة قوى مجتمعية ترفض الصمت تجاه ما يعانيه المواطن وقطاعات الخدمات وموظفي إقليم كردستان جراء الأزمة المالية والإدارية السائدة في الإقليم، وستطال هذه الإرادة – إذا لزم الأمر- أي سلطات أخرى، إتحاديةٍ كانت أو محلية، تجرؤ على العبث بحقوق المواطنين وتُسَيّس الملفات الإدارية والإستحقاقات القانونية والدستورية لأجندات حزبية أو طائفية أو خارجية!.
ولا شك بأن الموقف النقدي هذا، سيشتد تلقائياً إزاء الأحداث والمواقف وعواقبها بحِدة أكثر إذا ما تبين تماماً أن ثمة أطراف أخرى في المعادلة لا تعي، هي الأخرى، مسؤولياتها كدولة تجاه المواطنين ولا تُبدي إحترامها لمعاني المواطنة على ما هو لوحظ في موقف حكومة السيد محمد شياع السوداني الأخير من حصة إقليم كردستان في قانون الموازنة، إذ أخفقت هذه الحكومة بوضوح، وعلى غير ما كُنا نتوقعه للأسف، في التعاطي الأولي مع بنود هذا القانون، وتجلت لنا من خلاله كحكومة غير معنية بحقوق كافة مواطنيها من زاخو الى فاو، لاسيما بعد أن أوقفت بمساعيها الدبلوماسية وتسويغاتها الدستورية كافة صادرات نفط إقليم كرستان، التي كانت تشكل مصدراً رئيسياً لعائدات الإقليم وتمويل رواتب موظفيه، دون أن تعالج بغداد، في المقابل، النتائج التي تتمخض عن الخطوة هذه والمسؤوليات التي ستقع على كاهلها تجاه أبناء إقليم كردستان العراق.
نعم لقد وقعت الحكومة الأتحادية أخيراً في فخ خطيئة كبيرة هي معاقبة مواطني إقليم كردستان بعد أن تراجعت بشكل مفاجيء وبخلاف ما تعهد به رئيس الوزراء في مؤتمره الصحفي الأخير عن إرسال مستحقات الرواتب الى الإقليم، والأسوأ هو تسويغ الموقف هذا، الذي لا يرقى الى مقام أي دولة تلتزم بالحد الأدنى بقيم المواطنة، بعدم توصل اللجان الفنية والمالية في حكومتي بغداد وأربيل الى تجاوز كافة نقاط الخلاف، متناسياً أن المواطنين في الإقليم، هم في آخر الأمر، لا حول لهم ولا قوة في كل ما يحدث، وعليه كان يُفترض أيضاً أن لا تتعاطى حكومة السوداني معهم كمواطنين من الدرجة الثانية ومعاقبتهم لأسباب سياسية.
بعبارة أخرى، ان بغداد ومع هذا التطور الأخير، لا تبدو أنها حريصة تماماً على أن تكون دولة المواطنة المتساوية وللمواطنين جميعاً ومرجعاً لتذليل الخلافات، ولا تظهر على أنها تأبى بنتائج سياساتها التي لا تقدر على إحتوائها بأساليب الحكم الرشيد، وبالتالي فالمتوقع الآن هو أن يتغير موقف الشارع الكردي هو الآخر أيضاً من الأحداث ومن حكومة السوداني على وجه الخصوص، لاسيما إذا ما تورطت أكثر فأكثر في سياسة إذلال وتجويع مواطني إقليم كردستان كورقة ضغط لحسم الخلاف بين الجانبين، كما أن عدم ضمانها لتمويل إتحادي للإقليم تنفيذاً لبنود قانون الموازنة، خصوصاً في ظل مصادرة حق الإقليم في بيع صادراته النفطية، سيؤدي ذلك لا محالة الى إنهاء رهان الشارع الكردي عليها وثقته بها تماماً، فضلاً عن فقدان دعم القوى السياسية المتحالفة معها في إقليم كردستان وضرب دعائم خطابهم الذي يدعوا الى تصفير الخلافات مع بغداد والمساهمة في بناء عراق ديمقراطي إتحادي مستقر وموحد!.
التعليقات