ثمة أحداث ذات تأثير ضخم تتخذها الحكومات في إطار صناعة لحظة تاريخية لبلدانها وشعوبها. فمثلاً نتذكر الشهر المنصرم تشكيل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمجلس إدارة جامعة الملك سعود، ليتبعها أخيراً خبر لافت بمضامينه: استحداث استراتيجية جديدة لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية "كاوست"، وقبلها أخبار علمية سعودية كثيرة.

وحسب مضامين الخبر فإن الاستراتيجية ستحول العلوم والأبحاث إلى ابتكارات ذات مردود اقتصادي بالتركيز على الأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار واقتصاديات المستقبل، إضافة إلى تعزيز الشراكات الدولية والمحلية المثمرة.

وغنيٌ عن القول؛ إن الاستراتيجية ستخلق فرص عمل للباحثين، فضلاً عن تعزيزها للشراكات الدولية. فهذه نتيجة طبيعية لما ستفرزه نتائجها، وكلها ليست إلا نزرًا يسيرًا لحالة الزخم المكثف باهتمام السعودية في شؤون المعرفة من أجل نقش صحائف التاريخ، وارتياد نوافذ المستقبل عبر ترياق العلوم والبحوث وسوق الأفكار.
وبالتالي، ابتكرت الرياض حالة حضارية سعودية بامتياز عبر اهتمامها في البحث العلمي، في وقت ربما تكاد الدول المجاورة لها لم تتنبه للأمر ذاته، سواءً لانعدام البنى التحتية، وضعف التمويل وما إلى ذلك من أسباب.

وبقراءة سريعة، فإن التحرك الحكومي تجاه الجامعات، آخرها ما أعلنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يعد مؤثراً. إذ ستبتكر الجامعات عبره فضاء معرفياً رصيناً بأبحاثها التي ربما بعد تفعيل الاستراتيجيات تؤثر بشكل ملموس بالأوساط الأكاديمية، والمجلات العلمية، وتفعيل الحضور اللافت لجودة الأبحاث السعودية عالمياً بالمؤشرات العلمية.

وبالتأكيد التحرك سيخلق تركيزًا على الاحتياجات الوطنية أيضاً سواءً في الأمن الغذائي – المائي والصناعي، او في مجالات الزراعة والتقنية والعلوم والفضاء الذي باتت المملكة تؤدي دوراً فاعلاً في صناعته، ناهيك عن أنها ستعظم الأثر في إجمالي الناتج المحلي للبلاد، وتعزز عملية اقتصاد المعرفة.

تدفع وتحرك جملة التطورات البحثية والأكاديمية في السعودية دخول موارد مالية جديدة لخزينة الدولة وميزانية تلك الجامعات أيضاً نتيجة الاستفادة الواقعية من الأبحاث العلمية التي تجرى في معاملها، وتسوّق بعدئذ عبر التنسيق مع المراكز البحثية الاخرى إن افترضنا ذلك، فضلاً عن أن تلك الموارد ستتيح للجامعات لاحقاً تمويل مشروعاتها بعدئذ دون توافر تمويل حكومي.

ستفعل الاستراتيجيات العلمية البنية التحتية للجامعات مثل المختبرات والأجهزة البحثية والأنظمة التكنولوجية لإنتاج البحوث، رغم أن جامعاتنا تتمتع بهذه المقومات، وربما الاستراتيجية ستعززها أكثر، وهذا ما اختارت السعودية أن تفعله عبر استراتيجيتها الجديدة التي في الأصل تبني على إرث ممتد لكاوست ومراكزها البحثية الـ12.
الأكيد أن السعودية باتت تشكل حالة حضارية ومنارة معرفية.