الانتصار الذي احرزته القوى الشيعية وفصائلها على الاحزاب السنية والكردية كان ساحقا وهائلا بكل المقاييس! ورغم الانشقاقات السياسية التي اعترت صفوفها وكادت ان تعصف بها في فترات متفاوتة، فانها قد استطاعت لملمة شتاتها ونبذ خلافاتها ـ التي تطفو الى السطح بين حين وآخرـ من خلال المايسترو الايراني الذي مكنها من الاستمرار في الحكم والهيمنة على مفاصل الدولة وادارة شؤونها لمدة 20 عاما، ولولا الفاعل الايراني القوي في ادارة شؤون هذه الطبقة الشيعية الحاكمة وتوجیهها وتنظيم صفوفها لما استطاعت ان تستمر في الحكم لهذه المدة الطويلة.

وجود اختلاف سياسي وديني كبير داخل هذه الطبقة الشيعية كما في صفوف الاحزاب الكردية والسنية ولكن بفارق ان الانشقاق في الحالة الشيعية يتم داخل البيت الشيعي ولن يخرج منه، وان خرج فسرعان ما يُسَيطَر عليه ویوقف تصعیده، والمنشق الشيعي قد يخالف حزبه في بعض توجيهاته او يتمرد على سياسة زعيمه ولكن في حدود ضيقة لا تتعدى بعض الاجتهادات السياسية و"المرجعية" العابرة ولكن الهدف الاساسي الذي يجمع الكل في اطار تحالف استراتيجي يبقى واحدا لا يتغير، مهما كانت اختلافات مقتدى الصدر مع نوري المالكي والاطار التنسيقي كبيرة وشاسعة ولكنهما في النهاية يجمعهما هدف واحد وهو استمرار الحكم الشيعي في العراق!

وان اقتضت المصلحة المذهبية ان ينسحب الصدر من العملية السياسية برمتها رغم اكتساحه لمقاعد البرلمان وفوزه في الانتخابات، فانه ينسحب دون النظر الى مصالح حزبية وشخصية، فهو فلم يعبه بتحالفه الثلاثي مع السنة والكرد وضرب كل الاتفاقات المبرمة معهما عرض الحائط وانسحب بكل اريحية وترك الجمل بما حمل لاخوانه الاطاريين احزابا وفصائل وميليشيات، رغم معرفته التامة من خلال تجاربهم الطويلة في الحكم، انهم لا يصلحون لادارة العراق الذي سيتحول في ظل سياستهم البائسة الى خراب يحيط به الشقاء من كل جانب، ولكنه آثرهم على نفسه وعلى جمهوره وعلى مصلحة الشعب.. وعادت عقارب الساعة الى الوراء وبدأ الفساد والجهل والتبعية تحكم البلاد مرة اخرى!

وهكذا شرعت الاحزاب الشيعية تتولى مؤسسات الدولة بادق تفاصيلها ومفاصلها بشكل جماعي كالبنيان المرصوص، ربما يخرج حزب عن الاجماع ـ لزوم الدورـ ولكن لا احد يتعدى الخطوط الحمراء! فلم نر لحد الان منشقا شيعيا خرج عن الاجماع وراح يوالي الكرد او السنة ويعمل معهما ضد طائفته كما دأب هذين المكونين على فعله. يوجد عند السنة والكرد "سنة المالكي" و"كرد المالكي" ولكن لا يوجد شيء اسمه "شيعة الحلبوسي" او "شيعة بارزاني"!

السنة متفرقون احزابا وجماعات واحدة منها تشرب دم الاخرى ورغم تعرضهم لابشع انواع الحرب الطائفية وقتل عدد لا يحصى منهم ولكنهم ما زالوا متشرذمين متناحرين لا يجمعهم جامع، وحدث عن الكرد ولا حرج، فهم مختلفون في كل شيء وعلى كل شيء! يختلفون حتى في مفهومهم للوطنية، كل واحد من الحزبين الرئيسين "الديمقراطي" و"الوطني" الكردستانيين الذين يديران اقليم كردستان له رؤية خاصة بالوطن وعلاقته مع العراق، ففيما يرى الاول اي الديمقراطي الكردستاني ان "الاستقلال" و"الانفصال" عن العراق هو الحل الامثل بعد ان استحال التعايش معه وقد جرب الكرد كل الحلول الدستورية والسياسية ليدفعوا بغداد للالتزام بالدستور ولكن دون جدوى! بينما يعتمد الثاني "الوطني الكردستاني" سياسة التقارب والتعايش مع بغداد مهما ابدت من عدوان سافر على الشعب الكردي ومارست سياسة التجويع ضده وضرب مواد الدستور عرض الحائط!

هذه الازدواجية في الهدف والاستراتيجية اربكت السياسة الكردية وكادت تقضي على اقليم كردستان وتنهي تجربته الى الابد.