بعد احتجاب دام 50 يوماً لم يطل خلالها في قناة "بي إن سبورتس" تعبيراً عن تضامنه مع غزة في الأحداث الحالية، أطل من جديد اليوم المحلل الكروي محمد أبو تريكة، اللاعب السابق في نادي الأهلي والمنتخب المصري، قائلاً: "خمسون يوماً والعالم المنافق يلتزم الصمت تجاه ما يحدث في غزة".
تفاعل الناس - كما هي العادة - مع إطلالة أبو تريكة تلك، وهو الذي قد لا تجد منافسا له في عالمنا العربي لناحية امتطاء "الترند"، أو ما هو رائج بين الناس، والسيطرة على العقل الكروي العربي الشعبوي والعاطفي، لاسيما الفئات التي يسيطر عليها التدين الظاهري.
رداً على تريكة وكل من تفاعل معه بإعجاب يتجاوز حد الانبهار، وكأنه العربي والمسلم الوحيد الذي تفاعل مع أحداث غزة، نقول إن العالم لم يصمت يا سيد تريكة، فقد كانت الأحداث هذه المرة على وجه التحديد عامرة بالتفاعل والغضب العربي والعالمي على المستوى الشعبي على الأقل".
المظاهرات اجتاحت شوارع ومدن العالم، في غربه قبل شرقه، وكانت لغة الغضب عربياً وعالمياً غير مسبوقة، فمن أين أتيت لنا بفكرة صمت العالم؟ هل هي عبارات عاطفية تحفظها عن ظهر قلب، وترددها في كل مناسبة مشابهة لكسب العطف واكتساح الترند؟
العالم لم يصمت قط، ولم يكن منافقاً مطلقاً هذه المرة على وجه التحديد، وحديثي هنا عن العالم بوجهه الشعبي وبعض حكوماته وقياداته.
ثم أن العالم الرسمي، واقصد الحكومات العربية وكثير من الحكومات الغربية، وقفت ضد ما تفعله إسرائيل بصورة أشد وضوحاً - وأكثر من أي وقت مضى - في ظل معادلات سياسية دولية تفرض على الجميع عدم الانسياق لحرب واسعة النطاق.
العالم لم يصمت يا تريكة، فقد خاض الجيل الجديد تجربة لم يسبق لها مثيل في التفاعل ومقاطعة المنتجات والشركات التي تدعم - أو يقال إنها تدعم - إسرائيل، سواء اتفقنا مع نهج المقاطعة أم لم نتفق.
العالم لم يتوقف لحظة عن التفاعل عبر جميع منصات السوشيال ميديا في الوقت الذي كنت أنت تلتزم الصمت، وتختفي ترقباً للحظة العودة مع مباراة كبيرة وجماهيرية بين مان سيتي وليفربول ليكون التفاعل تاريخياً معك هذه المرة.
الملايين الذين لم يصمتوا، ولم ينافقوا فعلوا ذلك بمشاعر تلقائية بعيداً عن الكاميرات ولجان الدعم التي ترقص فرحاً لكل شاردة وواردة تصدر عنك أكثر من سعادتها بكل جهد حكومي عربي رسمي أو شعبي لمد يد العون لأهالي قطاع غزة، وكأنك أنت أصبحت القضية وليس غزة.
ثمة سؤال لنجم الترند والمواقف "الذكية الشعبوية": ماذا لو جلس رفاقك في استديوهات بي ان سبورتس في منازلهم كما فعلت أنت؟ وكيف هي مشاعرهم وأنت تنتزع "الترند" على حسابهم، وتتألق في المزايدة عليهم؟
وماذا لو جلسنا جميعاً في بيوتنا تعاطفاً مع غزة؟ هل هذا هو الحل؟ وهل كنا سنحظى بتهليل دراويشك؟ في الحقيقة أننا لم نغازل الترند بل تصرفنا بتلقائية لا يعرفها من يخطط للحظات "الشو".
النوايا يعلمها الله، ولكن يجب أن يسجل التاريخ، ويعلم الجميع أن العالم لم يصمت، ولم ينافق، بل خسرت إسرائيل الكثير معنوياً وإعلامياً هذه المرة بفضل الدعم الإنساني العربي والعالمي غير المحدود لأطفال وضحايا غزة.
عزيزي تريكة, من أين أتيت بفكرة صمت ونفاق العالم؟
أعزائي عشاق "ملك الترند"، متى تدركون أن القضايا الكبرى تظل أكبر من نجومكم؟ كونوا مع القضايا التي ترونها عادلة لا مع الأشخاص الذين يتغذون على هذه القضايا، ويجددون نجوميتهم بفضل تصفيقكم الحاد.
وأخيراً, كاتب هذه السطور مثل غيره من ملايين البشر شرقاً وغرباً لم يتوقف يوماً عن دعم الضحايا في غزة معنوياً، بل أشعر بالفخر بفضل ابنتي التي لا تتجاوز 12 عاماً التي أتت من تلقاء نفسها لتقول لي "بابا أنا كده شهر كامل لم أدخل ماك أو ستاربكس".
هذه هي الفطرة السليمة والمكسب الكبير دون كاميرات واستعراض ولعب بالعواطف وامتطاء ترند.
والجميع يعلمون أن السيد تريكة حينما تتوقف الأحداث الساخنة فهو يصنعها مثلما انسحب من استديوهات بي إن على الهواء لأن مشجعاً إنجليزياً أصيب بالإغماء، ولكنه التزم الصمت حينما قام لاعب الأهلي المصري حسين الشحات بصفع اللاعب المغربي محمد الشيبي على وجهه بل وقام بسب الدين على الهواء مباشرة.
التعليقات