في عيد زواجنا العاشر .. قرّرتُ الحديث عن أحد أسرارنا المثلّجة الجميلة .. عن الرفض المجنون الذي لولاه لكان الندم .. صديقي الوحيد .. عن السبب الذي جعلني أطمأن لفكرة الزواج بعمر 37 عاماً .. بعد أكثر من ألف ساعةٍ استشارية عايشت خلالها مئات القصص السيئة التي لم يخترها أصحابها بل فُرِضَت عليهم .. والأذى المتبادل بينهم .. وبكى قلبي على أطفالٍ أنقى من الورود .. يُستخدمون كأسلحة قتال بين الزوجين!

سبب القرار الذي صَدَمَ عائلتي وفاجأ أصدقائي .. لم يكتشفه قلبي ولا عقلي! اكتشفتهُ خلال حديثي مع ذاتي .. نعم أقصد ذلك الشخص المجنون داخلي الذي أتحدّث معه منذ الصغر .. ومناقشتي معه صَنَعَت مُعظم أجزاء شخصيتي .. أتجادلُ معه دوماً وكثيراً ما أفحمتهُ وأجبرتهُ على الاعتذار والعكس .. لكنه يومها .. قال لي: ماهذا الاطمئنان الغريب تجاه فكرة الارتباط؟ ماهذه السكينة المُريبة! قد لا يتكرّر هذا ثانية! .. هيا تقدَّم لها .. إن قَبِلَت فستنقلب حياتك .. وإن رَفَضَت .. فستنقلب أيضاً .. باتجاهٍ آخر!

1

انتظرتُ صديقتي في يوم صقيعٍ قاسٍ .. تنهي مقابلةً تتعلّق بمستقبلها المهني .. ساعاتٌ من المعاناة في البرد القارس الذي لاقى مقاومةً شرسةً من لهيب دواخلي وعواصف أفكاري وعشرات الأفلام الذهنية فائقة الدقة التي تَعرِضُ لي عدة سيناريوهات لسنوات عمري القادمة .. أنفاسي الدخانية تتكاثفُ أمامي .. ووجهي أصبح مسرحاً لألوان الثلج.

2

خَرَجَتْ من المقابلة بعرض عملٍ مغرٍ يُسافر بها بعيداً عني .. فثارت ثائرتي وأذابت زفرات الغضب ما تبقّى من جليدٍ حول وجهي … لن تسافري! أحاطت علامات الاستغراب المُستحقة بملامح وجهها .. وحافَظَت على صمتِها لبرهة .. ثم رَسَمَت ابتسامةً رقيقةً دافئة سَكَبَت في دهاليز قلبي إكسير راحةٍ .. وأمانٍ مؤقّت.

3

سمعتُ من صمتها البليغ عشرات الأسئلة! لماذا تمنعني من السفر؟ والسؤال الأصعب كان: بأي حقٍ وصفةٍ تقف بيني وبين مستقبلي؟

عندما لا نحمل أجوبة منطقية على الأسئلة الكبرى .. يجب أن يكون لدينا أجوبة بحجمها حتى لو كانت مجنونة!

كانت قوة رفضي ليست في مَنطِقِه أو أسبابه المُعلنة .. بل في نَزَقِهِ وعنفوانه وحزمه .. درجة حرارة الرفض عوَّضَت عدم كفاية الأدلة.

4

نعم سأرفض ابتعادكِ عني حتى لو كان مُجحفاً بحقك .. سأرفض فكرة ألاّ أراكِ كل يوم .. بسبب أنانيتي المُفرِطة .. أنا أحبّني جداً فوقما تتصورين .. وأحبّ أن أسعدني أكثر ممّا تتخيلين .. ولن أسمح لسعادتي النادرة أن تطير أمام عينيّ مهما كانت الأسباب.

لن أدعكِ تفلتين مني .. لأني عرفتُ سرّكِ الأغلى .. أنتِ من يمكنها إسعادي حتى بعد 10 أعوامٍ من الزواج .. أنتِ من تستطيع أن تضحك بوجهي وتُضحكني رغم أعباء الحياة .. أنتِ فقط .. من رأيتُ في لوحها المحفوظ عشقي لأبنائي منها .. وقدرتي على نحت الجبال وردم البحار .. في سبيل إسعادهم.

أنتِ التي اختصّكِ الله بتلك المعجزة دوناً عن بنات حواء .. مع كل قبلةٍ منكِ يطولُ عمري عاماً .. ومع كل ابتسامةٍ صباحية أحصل على طاقةٍ كافيةٍ لنقل الأهرامات وعبور الأطلسي بصحبة الحيتان.

5

لستُ ممّن يتزوجون للتكاثر أو تنفيذاً لرغبة المجتمع في تقديم نسخٍ جديدةٍ باهتةٍ من مؤسسة الأسرة! لم أصبر طوال هذه السنوات لأدخل في دوامة النكد الزوجيّ كغيري .. من الذين يختار الآخرون لهم زوجاتهم كما يختارون لهم أسماءهم وعقولهم ولون جواربهم وتفاصيل حياتهم! لم أكن لأقبل بفرحة الخطوبة والزفاف مقابل تعاسة العمر!

أنا من المجانين الذين ثاروا على موروثات مقبرة الزواج .. أنا من الذين طلبوا صداقة أقدار الله بحقٍ فوجدوها.

أحبّكِ بطريقتي .. التي أصبحت قدوة ومنهجاً للعديد من الأصدقاء والصديقات.

أتنفّس حُبّكِ لي .. وأستمدّ منه صبري وبصيرتي .. واختلافي عن الكائنات.

لقد كنتُ لكِ دعوةً مستجابة .. كما كنتِ لي تجسيداً للطف الله بعباده.

6

اعتقادي الراسخ بعد 37 عاماً .. أن الزواج يستحيل أن ينجح بالعاطفة أو العقل فقط! ذلك أن العلاقة الأحادية ضد طبيعة البشر! وحتى مع المرونة والتفاهم والتجديد وجميع مفردات المحاضرات الزوجية المُملة .. يحصل الطلاق والخلافات وتبادل الأذى! السر الكبير الذي يُزيّن قصتنا .. هو الكذب .. ملح الحياة اليومية الذي نستسهلهُ ونُبرِّره دوماً .. لكنه يقتلنا في نهاية القصة! لقد قمنا بسحب عصب الأسباب المُحفّزة للكذب منذ أن كنا أصدقاء مقربين .. وطوّرنا التجربة معاً خلال الخطوبة .. واليوم بعد 3,650 يوماً من التعامل اليومي و3 أطفال ومئات الصعوبات والتحديات ومنها تفرّق الأسرة بين الإمارات ومصر .. اليوم بعد أكثر من 10,920 فرصة للكذب - حسب إحصاءات متوسط كذبات الرجل السنوية – لا دوافع لدينا للكذب .. سوى تنفيذ بعض المقالب المضحكة أو المفاجآت السارة.