تحتفل السويد كل عام، ومعها بعض الأمم الإسكندنافية، بعيد القديسة لوسيا الذي يصادف في الثالث عشر من شهر كانون الأول (ديسمبر)، وهو اليوم الأكثر عتمة في العام بأكمله.
العيد إيطالي الأصل، ويمجد القديسة لوتشيا السيراكوزية، وفق التقاليد الميثولوجية. أصل اسم القديسة معناه لوكس Lux أي النور. وأنوار الشموع هي الأجمل في العيد الإسكندنافي.
يجري الاحتفال في طقوس شبه وثنية داخل المدارس والكنائس، حيث يرتدي جمع من الأطفال أثواباً طويلة بيضاء، يحملون الشموع ويسيرون في رتل يتقدمهم من المجموعة من اختير كي يكون قائداً أو قائدة للرتل، وعلى رأسه أو رأسها تاج من الشموع.
قائد الرتل يتقمص دور لوسيا القديسة، فيما الرفقاء في الرتل يتهادون ببطء مرنمين هذا النشيد:
"يمضي الليل متثاقلاً
حول الفناء والحظيرة
حول الأرض التي هجرتها الشمس
وحضنتها الظلال.
عندها، في منزلنا المظلم،
تهل مع الشموع المضاءة،
سانتا لوسيا"
يتجول رتل اللوسيا تحت أضواء خافتة على موسيقى مهيبة في أجواء مفعمة بالفخامة والفرح والدفء وروائح الحلوى والغلوغ والقطط الكعكية بنكهة الهيل الزكية.
الرتل يتهادى وسط خشوع الحضور وأكثرهم من ذوي الأطفال مسددين عدسات الكاميرات نحو الرتل مذهولين محاولين تخليد أبهة المراسم.
كلما شاءت الصدفة أن حضرتُ عيد اللوسيا في مكان ما، غلبني الحزن وآلمتني الغصة، لأنني أتذكر في الحال أطفال بلادي وأفكر بشقائهم.
أتذكر مخاط المشردين قرب الخيام،
المقرورين المبتسمين رغم المآسي
بأرجلهم الحافية وأيديهم المشققة من قسوة عمل لن تتحمله هذه الأيادي الحاملة للشموع.
وبينما يتهادى موكب لوسيا المرنم متجولاً داخل القاعات الفخمة
يلوح لي أطفال بلادي المتجولين في شوارع مدن الضياع
ينادون على قوارير المياه وعلب العلكة والمحارم
كي يبيعوها بالبخس القليل مقابل قوت يومهم
لا أيدي تصفق لهم ولا كاميرا تسجل ما أنجزوه
كلما صدحت الموسيقى تذكرت من اعتقل منهم لدى انطلاقة الحراك السوري
ومن قتلوا وعذبوا في السجون
من فقدوا ويفقدون طفولتهم كل يوم ويصيرون قسراً آباء لأخوة فقدوا الأهل والمعيل
من ولدوا لمعتقلين وترعرعوا في السجون
من وضعت في أيديهم قطع السلاح فحولوا معها إلى مجندين مقاتلين
من يُجبَرون على أن "يتدوعشوا" في مدارس العقائد القاتلة
من انتهكت براءتهم في ورش الميكانيك
وفي مقالع الأحجار ومعامل الإسمنت ومخيمات اللجوء المؤقت في بلاد الاغتراب
من أرسلوا عنوة إلى أسواق النخاسة وشيوخ المتعة المترفين
من يعيلون عائلاتهم ولا يعرفون الطريق إلى المدارس
من يقضون أيامهم على الأرصفة أو في بقايا بناء قصفته الطائرات
في منازل بلا كهرباء ولا ماء
من يتضورون جوعاً أمام قصعة فارغة
من يسيرون على الوحل بأرجل حافية والريح تعصف والبرد يلسع
من امتطوا البحار هرباً من جحيم الموت والحرب إلى ما قد يصير حياة في النعيم
لكنهم ماتوا في الطريق،
ابتلعتهم أعماق البحار والمحيطات واختفوا من الوجود كأنهم لم يولدوا يوماً
أولئك هم سوريا. بنت القهر سوريا اللوسيا أو لوسيا السورية..
فلنقدم أفكارنا لهؤلاء
ولنرفع شواخصنا إلى السماء... إليهم... متوسلين
حتى يتشفعوا بنا وبهذا العالم المجنون!
التعليقات