لا تزال السلطات المصرية تتكتّم على التحقيقات حول مقتل أحد الصحافيّين المصريين قبل أيام في منطقة الغردقة في ظروف غامضة، حيث ظهرت على جثته أثار كدمات وضربة تسببت له بنزيف في الدماغ أدى إلى وفاته. ولم يُعرف من يقف خلف الحادث بشكل حاسم، لكن التكهنات تشير إلى أنّ الاغتيال جاء على خلفية كشفه صفقة شراء قصر فاخر في أحد المدن الساحلية المصرية، باسم والدة زوجة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي.

وتقول الرواية إنّ حماة زيلينسكي اشترت القصر في مدينة الجونة على ساحل البحر الأحمر، بجوار قصر الممثلة الأميركية الشهيرة أنجلينا جولي. وتظهر الوثائق التي سبق أن عرضها الصحافي المصري قبل نحو 4 أشهر بواسطة فيديو نشره على صفحته في "يوتيوب" إنّ قيمة الصفقة بلغت 4.85 مليون دولار أميركي، وذلك في 16 أيار (مايو) الفائت.

أوساط صحافية مصرية تناقلت معلومات مفادها بأنّ الاستخبارات الأوكرانية وأخرى عربية قد تكون ضالعة في تلك الجريمة، من دون أن تذكر تلك الأجهزة لأيّ دولة تتبع، لكن الملفت أن تلك المواقع عادت وحذفت تلك التقارير من دون توضيح الأسباب، ومن بينها مقابلة من شقيق المغدور الذي أكد أنّ أخاه تعرّض لتهديدات جمة، بينما لم تسلم الأجهزة المصرية من الانتقادات على خلفية خطورة الحادث على أمن المصريين.

أموال مختلسة؟
الصحافي المصري المغدور، واسمه محمد العلوي، أثار في حينه تساؤلات من خلال الفضيحة التي كشفها عن مصدر تلك الأموال، مرجحاً أنّ تكون تلك الأموال مختلسة من المساعدات الغربية المقدمة إلى أوكرانيا من أجل حربها ضد روسيا.

وفي حينه أيضاً، نفت السفارة الأوكرانية في مصر تلك الأخبار، وأكدت خلال شهر آب (أغسطس) الفائت أنّ هذه الأنباء "عارية تماماً من الصحة". لكن مواقع غربية أخرى قالت إنّ حماة زيلينسكي، أولغا كياشكو اشترت بالإنابة عنه، ذاك القصر بفضل تبرع من بورصة العملات المشفرة FTX (المفلسة الآن) عبر صندوق الاستثمار المملوك من دولة سنغافورة Temasek Holdings، لكن لم تقدم تلك المواقع أدلة ملموسة حول صحة هذه الادعاءات، على الرغم من أنّ الرابط بين منصة FTX وأوكرانيا متداول منذ أواخر عام 2022، ويفيد بأنّ أوكرانيا تستخدم منصة FTX في غسل أموال المساعدات المقبلة إليها من الدول الغربية.

وسبق أيضاً، أن تداولت شخصيات إعلامية مشهورة ووسائل إعلام حكومية وكذلك الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، تلك المعلومات بلا أدلة ملموسة أيضاً.

العلوي يتعرض لتهديدات
وانتشر خبر مقتل الصحافي المصري بعد العثور على جثته في الغردقة، في 23 كانون الأول (ديسمبر)، وفق ما أكد شقيق الصحافي، الذي قال في حديث مع أحد المواقع المحلية المصرية ثم تمّ حذفه لاحقاً، إنّ أخاه تعرّض لتهديدات بالفعل على خلفية هذه القضية، وألمح إلى أنّ الجهات المهددة هي نفسها الضالعة في الملف من دون أن يفصح عن مزيد من التفاصيل، مبرراً ذلك بدوافع الخوف على حياته وحياة أولاده حسبما قال.

العلوي الذي تحدث في مقطع الفيديو المحذوف قبل أشهر، واستطاعت بعض المواقع الاحتفاظ بنسخ من مقطع الفيديو، عرض مستندات تعود إلى ما يبدو أنه اتفاقية بيع مكتوبة باللغتين العربية والانكليزية تثبت في ما ظهر منها حقيقة ما يدعي. العلوي قال إنّه اطلع بنفسه على عقد شراء العقار موثّق باسم حماة زيلينسكي، أولغا كياشكو بتاريخ 16 أيار (مايو) 2023 في منطقة الجونة السياحية الساحلية في محافظة البحر الأحمر.

أولغا هي فعلاً حماة زيلينسكي؟
لكن السؤال الذي يُطرح: هل فعلاً حماة زيلينسكي اسمها أولغا كيشاكو؟

فقد أجرت أولينا زيلينسكا، زوجة زيلينسكي، مقابلات مع مجلة "فوغ" وصحيفة "ذا غارديان" قبل مدة طويلة تؤكد فيها أنّ كنية عائلتها قبل الزواج هو كياشكو. كما كشفت أنّ والدتها كانت مهندسة ومديرة في أحد المصانع، من دون أن تذكر اسم والدتها (أولغا). لكن يبدو أنّ الانطباع بأنّ حماة زيلينسكي تدعى أولغا نابع من مقال في صحيفة "موسكو تايمز"، التي ادعت في نيسان (أبريل) 2022 أنّ أحد المواطنات الروسيات التي تسكن في العاصمة موسكو، وتُدعى أولغا كياشكو أيضاً تتعرّض لمضايقات من قبل وسائل الإعلام الروسية بسبب تطابع اسمها مع اسم حماة زيلينسكي... مما يؤكد أنّ اسمها بالفعل هو أولغا كياشكو.

مصر مخترقة؟
والخطير في هذه الجريمة، هو تكتم السلطات المصرية، الذي بدأ يثير شكوكاً بأنّ تكون تلك المعلومات المتداولة صحيحة، إذ ذهبت بعض الجهات الإعلامية المصرية إلى اعتبار الأراضي المصرية مخترقة من الاستخبارات الأوكرانية التي استطاعت أن تنفذ جريمة بحق أحد المواطنين المصريين من دون انكشاف أمرها، وذلك أجل إخفاء تلك المعلومات الحساسة التي ربّما تثير الرأي العام الغربي وتغضب دافعي الضرائب في الولايات المتحدة، خصوصاً على أبواب الانتخابات الرئاسية، وانسداد أفق المساعدات. المقدمة إلى أوكرانيا.

ولا يبدو "القتل المأجور" للصحافيين غير المرغوب فيهم شيئاً خارجاً عن المألوف في سياسات أوكرانيا، خصوصاً إذا ما عدنا إلى سجل كييف الحافل بهذه الجرائم، إن كان في اغتيال جورجي جانجادزه، أو أوليس بوزينا، أو داريا دوغين ابنة المفكر الروسي ألكسندر دوغين المقرّب من الكرملين.

"يوتيوب" يزيل الدليل
والمفارقة، إنّ فيديو الفضيحة أزيل عن منصة "يوتيوب"، مما يثير شكوك إضافية حول حقيقة هذه الأحداث، إذ لم يُعرف إن كانت المنصة قد أزالت الفيديو بسبب سياسة المعلومات المضللة، أو بسبب صحة ما تضمنه الفيديو وحرصاً من المنصة على عدم فضح الفساد في أوكرانيا أمام الرأي العام الغربي، خصوصاً أن "يوتيوب" لم يعلل سبب إزالة الفيديو إلى الآن، وهو ما يضع تلك المنصة في دائرة الشكّ لناحية العمل لصالح أجندات سياسية ودعائية غربية، على حساب الحقائق وكشف الفساد، كما يضعف مصداقية تلك المنصات عموماً، على غرار ما يحصل اليوم مع منصة أميركية أخرى"فايسبوك" و"تويتر" وغيرها في حماة الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة.