في نظام كنظام الملالي وسلسلة الأحداث المتراكمة المتتالية وراء بعضها البعض، تُثار وتُستنفر الكثير من التساؤلات حول ماهية الدولة والحكومة في إيران.. وهل يمكن أن ينطبق عليها ما ينطبق على الدول الرصينة.

تولى إبراهيم رئيسي الشخصية المثيرة للجدل في الساحة السياسية الإيرانية والخارجية منصب رئيس الجمهورية في آب (أغسطس) 2021، وعزز منذ تنصيبه من نهجه الدموي الذي دأب عليه، فكان له الدور الكبير على عمليات القمع الداخلي، سعياً منه لإسكات صوت الشعب الرافض للنظام، وهو الأمر الذي جاء من أجله، أمَّا خارجياً، فقد تصاعد دور أنشطة الملالي الإرهابية في الشرق الأوسط والعالم؛ لكنه مع ذلك بقي محاطاً بالكثير من الجدل والتساؤلات حول كيفية وصوله إلى السلطة وطريقة إدارته البلاد وتعزيزه سطوة عصابة الولي الفقيه. ومع وفاته أيضاً، تُطرح الكثير من الأسئلة حول من كان وراء مقتله، وهل كان رئيسي بالفعل رئيس دولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى؟

من قتل رئيسي؟
هناك العديد من الفرضيات حول من قد يكون وراء مقتل رئيسي، وتستند هذه الفرضيات إلى التعقيدات السياسية الداخلية والخارجية التي تواجهها إيران، ومن بين الفرضيات المطروحة الفصائل الداخلية، حيث أنَّ النظام السياسي الإيراني معقد ومليء بالصراعات بين مختلف الفصائل، وقد يكون مقتل رئيسي نتيجة صراع داخلي بين العصابتين: عصابة خامنئي الرئيسية والعصابة المصطنعة المسماة بـ"الإصلاحية"، ولا يُستبعد أن يكون ذلك نتيجة صراع داخل عصابة علي خامنئي نفسها، وربما رأت بعض العناصر داخل النظام أنَّ رئيسي يمثل تهديداً لنفوذها أو طموحاتها السياسية، وقوات حرس نظام الملالي التي تُعتبر قوة رئيسية في البلاد ولها نفوذ كبير في السياسة والاقتصاد والأمن قد يكون لها أو لبعض الدوائر فيها دورٌ في مقتل رئيسي إذا كانت ترى أن سياساته تتعارض مع مصالحها أو استراتيجيتها، خاصة بعد نفوق خامنئي ومجيء رئيسي بديلاً عنه أو مجيء مقرب من رئيسي بديلاً عنه.

على الصعيد الخارجي، لا يُستبعد أن يوجه الملالي أصابع الاتهام إلى أيادي خارجية في مقتل رئيسي، وقد يشير الملالي بأصابع الاتهام إلى إسرائيل بالتعاون مع أذربيجان، نظراً للعلاقة القوية بين البلدين، بعد أن وقفت إيران بجانب أرمينيا في صراعها مع أذربيجان، وفي كل الأحوال يقول الجميع بأن مهلكه كان بفعل فاعل.

هل كان رئيسي رئيس دولة؟
كان رئيسي مجرد أداة إجرامية لتعزيز سطوة الملالي ونظامهم، وخصوصاً الولي الفقيه خامنئي، إذ كان رئيس دولة باللقب فقط، والشاهد على ذلك هو أنَّ رئيسي لم يكن يتمتع بشخصية رئيس دولة في النظام السياسي الإيراني بقدر دوره كجلاد ملطخة يداه بالدماء تم تعيينه كرئيس للجمهورية بانتخابات صورية مزيفة ليكون جندياً مطيعاً ملبياً أوامر الولي الفقيه، ويعكس مقتله، بغض النظر عن الجهة المسؤولة، حجم التوترات والصراعات الداخلية والخارجية التي يواجهها النظام الإيراني. وبالرغم من أنه كان يحمل لقب رئيس الدولة، إلا أن سلطته الحقيقية كانت محدودة في ظل نظام سياسي يتركز فيه القرار النهائي بيد الولي الفقيه، وعادة ما تُتخذ القرارات الكبرى في السياسة الخارجية والأمنية من قبل الولي الفقيه ومجلس الأمن القومي، وهو ما يعني أنَّ رئيسي لم يكن يمتلك السلطة المطلقة التي تسمح له حتى بحقه في اختيار الطائرة التي تليق به كرئيس وتتوافق مع الأعراف والبروتوكولات الدولية المعمول بها.

جاء خامنئي برئيسي كجلاد وسفاح محترف ومنقذ لنظامه، وبالنهاية قتلته الأفاعي المتحاربة على الغنائم، فمن سيقتلون أو يهمشون بعد مهلك رئيسي، ومن سيعينون رئيساً خلفاً له، وفي كل الأحوال هذه هي الحقبة الأخيرة من عمر نظام الأفاعي في إيران.