يُعتبر السابع من تشرين الأول (أكتوبر) يوْماً تاريخيّاً، لِكوْنِه يوْم انطلاق شرارة المُقاوَمة من جديد، لِتقولَ للعالم إنّ القضية الفلسطينيّة راسِخَةٌ في أذهان ووجدان أبناء الشعب الفلسطينيّ يستحيل نِسيانَها، ولا يُمكنُ التّخلّي عنها، ويستحيل طمْسُها، رغمَ دسائس أميركا والغرب وخذلان بني الجِلْدة. لقد عمِلت الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربيّة كلّ ما في وسعها للحيلولة دون قيام أيّ دولة فلسطينيّة مُستقلّة، كما عمِلت على تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينيّة التاريخيّة وتَجزِئِها إلى كانتونات، كي لا تصلُح لإقامة أيّ دولة تُذكَر، ووصل الأمر إلى إنشاء حِلْف بزَعامَة الولايات المُتحدة من أجل تزكيَّة "الدولة اليهوديّة" وتثبيت أقدامها على أرض فلسطين وإقصاء الشعب الفلسطينيّ من حقّه المَشروع في إقامة دولته على أرضه، وذلك من خلال ما سُمّيَ بِـ"صفقة القرن" و"اتفاقيّة أبراهم" اللتيْن تسعى من ورائهما أميركا إلى تقويّة الجبهة المؤَيِّدة لإسرائيل والمُناهِضة لقيام دولة فلسطين مَخافةَ أن تتولّى فيها حماس تدبير أمورها وشؤونها، لأنّ "الحِلف" المَذكور يُريد للحركة أن تبقى خارج اللعبة السياسيّة، ولذلك فهو يدعمُ ما يُسمّى "السلطة الفلسطينيّة" التي تسير وفق سياسة ومُخطّط أميركا وحُلَفائِها في المنطقة.

ليس هناك حلّ سياسيّ للقضية الفلسطينيّة، وقد اتّضح ذلك من خلال المُفاوضات العبثيّة بين "مُنظمة التحرير الفلسطينيّة" وإسرائيل والتي لمْ تُسفِر عن أيّة نتيجة إيجابيّة تُذكَر، اللهمّ المزيد من المستوطنات والحواجز والطرق الالتفافيّة وجدار الميز العنصريّ التي قضَمَت الأراضي التي كان من المُحتمَل إنشاء دولة فلسطين عليها (أراضي 67). كلّ ذلكَ أكَّد للمقاومة، وعلى رأسها حماس، أنّ الحلّ الوحيد هو تحرير الأرض بِقوّة السلاح، أمّا ما دون ذلك فهو هُراء وسَخافة.

"طوفان الأقصى" هو هزيمة شنعاء للكيان الإسرائيليّ وبكلّ المقاييس، فرغم الإبادة الجماعيّة لأهالي غزة الأبرياء، فإنّ القضية الفلسطينيّة سائرةٌ نحو حلٍّ شامل، ودون أي شكّ، ذلك أنّ الكيان الإسرائيلي قد أدرك أنّه مُنهزِم، رغم تصريحات مسؤوليه السياسيين التضليليّة والكاذبة التي تُبْدي الانتصار وتُبْطن الهزيمة، وكلّ من يتتبّع فصول هذه الحرب بِتدبُّر وحِكمة سيُدرك كلّ الإدراك أنّ قيام الدولة الفلسطينيّة وشيك لا مَحالَة ومَن يقولُ غيرَ ذلك فهو واهِم ومُخطِئ.

إقرأ أيضاً: دَعمُ المَغرب لأهالي القُدس نموذجٌ يجب الاقتداءُ به

من الأسباب الرئيسيّة التي جعلت إسرائيل تستمرّ في حربِها على شعب القطاع، وعدم الرّضوخ للهُدن التي اقترَحتْها حماس وأيَّدتْها قطر ومصر، وذلك بوقْف إطلاق النار الدّائم، هو إدراكُ الكيان الصهيونيّ الجازم أن الإيقاف المُستمِر للحرب يعني هزيمته، والهزيمة تعني فسح المَجال أمام حماس لإدارة شؤون غزة والضّفّة الغربيّة، وفرض شروطها لإقامة الدولة الفلسطينيّة المستقلّة الحرّة ذات سيادة كاملة على أراضٍ خالية من المستوطنات ومُتّصِلة الأطراف وعاصمتها القدس الشريف. وحال نُشوء الدولة الفلسطينيّة، وعلى مَقاس حركة حماس، تكون إسرائيل غير مُستقِرة وغير آمنة، لأنها سَتُصبح جنباً إلى جنْبٍ مع شعبٍ أذاقَته مرارة العيش مُنذ عام 1948، من تقتيل وجرح وتَسجينٍ وتعذيب وتشريد وما إلى ذلك من الويْلات التي لا يُمكن أن ينْساها المُجتمع الفلسطينيّ مهما حاوَل.

إقرأ أيضاً: الانقسام لا يخدُم القضية الفلسطينيّة

إسرائيل وأميركا والدول الغربيّة لا تنظُر إلى الحرب على غزة من زاوية الانتصار على المُقاوَمة والقضاء عليها، وإنما تنظر إلى ما بعد الحرب وانتهاء المعركة، والتي تعرف حقّ المعرفة أنها محسومة لِصالح حماس، ما بعد انتهاء الحرب هو الهاجس الذي يشغل بال هذه الدول، ويشكّل صميم اهتماماتها، ولذلك فهي حذرة كلّ الحذر من إيقاف المعركة قبل وضع خطة مُحكَمة في كيفية إدارة شؤون الضفة والقطاع، في ظلّ فشل "السلطة الفلسطينيّة" في تحقيق أمن الكيان الإسرائيلي واستقراره، رغم "التنسيق الأمني" معه ورصد تحرّكات خلايا المُقاوَمة في الضفة ومحاولة كبح جماحها والتصدّي لها، ورغم كلّ ذلك لم تفلَح في إخماد نيرانِها المُشتعلة في كل المدن والبلدات. إنّ أميركا والدول الغربية وحلفاءها تَبحث في الطريقة المُثلى التي تجعل إسرائيل في أمنٍ وأمان بعد انتهاء الحرب، علماً أن الشعب الفلسطينيّ قد فقد ثِقته في ما يسمى "السلطة الفلسطينيّة"، من جهَة، بعد إدراكه أنها لا تخدُم قضيته بقدر ما تخدم أمن إسرائيل، ومن جهةٍ أخرى تعرُّضه لأبشَع الجرائم في غزة والضفة من قتل وجرح للآلاف من الفلسطينيّين واعتقال وتعذيب للآلاف، فالشعب لن ينسى أبداً المجازر الشنيعة التي ارتكبتها إسرائيل في القطاع وكذا التدمير الشامل للبنى التحتية وما إلى ذلك من أشكال الجرائم، مِمّا يجعل ما يُسمّى بِـ"حلّ الدولتيْن" أمراً مُستحيلاً. أميركا والغرب والدول الحليفة في حيرة من أمرها في إيجاد صيغةٍ جديدة لِتدبير أمور غزة والضّفة في ظلّ فشل "سلطة (الرئيس الفلسطيني محمود) عباس" في ضمان أمن واستقرار إسرائيل، وفي ظلّ بقاء حركة حماس قائمة في القطاع بعد انتهاء الحرب.