ربما كان وزير الثقافة المصري فاروق حسني، وهو يشق طريقه في انتخابات اليونسكو، ضامنًا للنجاح حين تعهد بالإستقالة من وزارة الثقافة في حال هزيمته. أو ربما من جهة أخرى، يريد الإختفاء لفترة من الحياة السياسيّة العامة في البلاد في حال الهزيمة وهو ما تم بالفعل. الغريب في الأمر أن فاروق حسني إذا أقدم بالفعل على الإستقالة، فهو سيكسر الرقم القياسي بعدد مرات الإستقالة لوزير واحد منذ عام الثورة 1952 حتى اليوم وهو مرتان فقط. فوزير الثقافةمتعادل حاليًا مع وزير مستقيل واحد بمرة واحدة لكل منهما في بلاد تضم ما يقرب من ثمانين مليون نسمة شهدوا على مدار كل تلك السنوات وعلى امتداد كل الوزارات، مشاكل وأزمات بفضل الحكومات المتعاقبة كان بعضها يستحق فعليًا إستقالة وزراء كثر أحيانًا.
بعد خسارة فاروق حسني لمعركة اليونسكو، أصبح السؤال الذي يفرض نفسه، هل سيكون الوزير عند كلمته ويتقدم باستقالته من وزارة الثقافة المصرية؟... فقد حسم حسني موقفه من اليونسكو بخسارته المنصب العالمي في الجولة الخامسة الحاسمة التي انتهت مساء أمس الثلاثاء لصالح البلغارية ايرينا بوكوفا بفارق اربعة أصوات، 27 مقابل 31 صوتًا للبلغارية، وسبق أن أعلن حسني في تصريحات نقلت على لسانه قبيل انتخابات المنظمة العالمية بأنه سيتقدم باستقالته من وزارة الثقافة في حال خسارته لليونسكو ، لكنه سيستمر اذا طلب منه الرئيس مبارك ذلك .
استقالة وزير الثقافة تأتي بعد سلسلة استقالات سابقة عرفتها مصر (كاستقالة اسماعيل فهمى وعبد الحميد غالب وهيكل...)منذ ثورة يوليو 1952، وحديثا استقالة وزير النقل الأسبق إبراهيم الدميري بعد كارثة احتراق قطار الصعيد عام 2002، حيث سبق ان تقدم وزير الثقافة المصري باستقالتهفيالمرة الأولىقبل نحو اربع سنوات، في صيف عام 2005، تحديدًا عندما شب حريق في قصر الثقافة في محافظة بني سويف جنوب القاهرة أثناء عرض مسرحي، وقد عمت الفوضى المكان ولم تتمكن فرق الإطفاء الوصول مبكرًا، مما أدى الى مقتل 46 مواطنًا، بينهم مسرحيون وصحافيون، وعانى المصابون من حروق مختلفة من تردي خدمات الإسعاف الطبي التي قدمت لهم. ويومها قدم وزير الثقافة المصري فاروق حسني استقالته الى الرئيس المصري مبارك، شعورًا منه بالتقصير، وتحمله المسؤولية عن مقتل العشرات، واعتذارًا ضمنيًا لعوائل الضحايا.
وقال فاروق حسني ان تقدمه بالاستقالة ليس حركة استعراضية ولكنها استجابة للحملة التي يقودها عدد من النقاد الذين حملوه مأساة حريق بني سويف ، وأضاف انه بتقدمه باستقالته يعفي نفسه ويعفي الجميع من أي ضغوط أو حرج، مشيرًا إلى أن خطط الوزارة قائمة وموجودة في جميع القطاعات وسوف تستمر بالمنهجنفسهوالموضوع لها لأنها مبنيّة على أسس علميّة وسليمة.
وقد تباينت وقتها ردود الأفعال حول استقالة الوزير، بعضهم رأى استقالته تقليدًا غربيًّا أوروبيًّا وبدعة ، وبعضهم رأى ان الوزير فعل ذلك من باب quot; الشو الإعلاميquot; ولفت الأنظار اليه ، لأنه يدرك تمامًا ان استقالته لن تقبل وان النظام لن يسمح للوزير بإهانته ولن يسمح بأن تكون الاستقالة تقليدًا بين رجاله الذين يختارهم ، وقد رفض الرئيس مبارك حينها قبول استقالة فاروق ليستمر الوزير في منصبه حتى الان منذ اكثر من 22 سنة.
ويتوقع الكثير من المثقفين المصريين ان يستمر حسني في منصبه للأسباب نفسها التي أدت الى عدم قبول استقالته في المرة الأولى، فهو يتمتع بنفوذ سياسي ويعتبر واحدًا من ابرز قيادات الحزب الوطني الحاكم ورجاله المقربين، حسب قولهم .
وسبق أن طالب العديد من المثقفين الرئيس مبارك بإقالته على خلفية مواقف مثيرة للجدل وصل صداها الى البرلمان المصري ، مثل معارضته لارتداء الحجاب ، وهو ما دعا الدكتور حمدي حسن المتحدث باسم الكتلة البرلمانية للإخوان الى توجيه بيان عاجل الى رئيس الوزراء طالبه فيه quot;باستبدال حسني بوزير آخر يحترم الدستور والشريعة الإسلامية وقيم المجتمع المصريquot;. ودعا حسن رئيس الوزراء الى quot;الوقوف عند هذا الحد في مسألة الاستهتار بالدستور والشعب ومعتقداتهquot;، مضيفًا quot;اعلموا أنّنا شعب ناضج سندافع عن دستورنا وشريعتنا وقرآننا ورسولنا بكل الطرق والوسائلquot; .
وكان الوزير قد قال في مقابلة جرت مع صحيفة quot;المصري اليومquot; quot;كان ثمة زمن اعتادت فيه امهاتنا الذهاب الى الجامعات والعمل من دون حجاب. لقد نشأنا في جو مماثل فلماذا هذا التراجع؟quot;.وقال حسني quot;كل امرأة بشعرها الجميل تشبه زهرة، ويجب ألا يتم حجبها عن انظار الآخرينquot;.
وتعددت طلبات الاستقالة من جانب آخرين مثل نبيه الوحش المحامى الذى تقدم بدعوى رقم 42420 لسنة 56 قضائية تطالب رئيس الجمهورية بعزله لافتقاده أهم شرط الوظيفة العامة وهي حسن السمعة والسير والسلوك، بحسب قوله. وقال إنه يستند في ذلك إلى شريط فيديو، أكد أنه سيقدمه للقضاء وجهات التحقيق يظهر فيه فاروق حسني وهو يرتدي quot;تي شيرتquot; وشورت قصير ويشارك في مظاهرة للشواذ بالعاصمة الإيطالية روما أثناء فترة عمله كملحق ثقافي لمصر في إيطاليا. وجاء في نص الدعوى المرفوعة ضد وزير الثقافة أنه وافق على مشاركة مصر في مسابقة الشواذ والمخنثين التي أقيمت منذ أيام في تايلاند، بالإضافة لسماحه بطبع وتوزيع ثلاث روايات إباحية ضمن مطبوعات وزارة الثقافة وتهديده لاستقرار مصر وسلامها وأمنها الاجتماعي.
وقد طالب المفكر والكاتب جمال سلطان ايضا الرئيس مبارك بإصدار قرار عاجل بإقالة حسني أو أن يطلب منه على سبيل المواءمة التقدم باستقالته، وذلك بعد الاعتذار المهين الذي قدمه لإسرائيل ومثقفيها للحصول على شهادة quot;عدم ممانعةquot; من بنيامين نتانياهو لتوليه منصب رئيس اليونسكو ، وقال انه تقدم بهذا الطلب ليس على سبيل الإحراج أو حتى معاقبة فاروق حسني ،quot; فلو كنا نبحث عن معاقبته لعوقب على أمور كثيرة خطرة من قبل تم تمريرها بالتواطؤ والعناد ، ولكني أطالب بعزله الآن حفاظًا على كرامة مصر وحكومتها بالأساس quot;.
وقال سلطان في طلبه ان الإعلام الإسرائيلي احتفل بتصريحاته وكتاباته الاعتذارية التي يبدي فيها عظيم الندم وفروض الطاعة في صحف دولية ، ويزيد عليها بتقديم المزيد منquot;الضماناتquot; والتعهدات المجانية ، بصفته وزيرًا للثقافة المصرية، وأباح لنفسه أن يصدر بيانًا باسم الوزارة، أي باسم الحكومة المصرية.
والسؤال ماذا لو تم قبول استقالة الوزير ؟ من هم ابرز المرشحين لخلافته ؟ ..
هناك بعض الحالمين بالمنصب وهم من رجال حسني تحديدًا، مثل الكاتب الصحفي ورئيس اتحاد الكتاب، محمد سلماوي الذراع اليمنى لفاروق حسني، والذي لعب دورا مهما في حملة حسني من أجل اليونسكو، والدكتور سامح مهران، وهو يشغل حاليًا رئيس اكاديمية الفنون، والدكتور زاهي حواس، والذي يعمل بهمة ودأب بجوار فاروق حسني، ويستغل علاقاته الدولية لذلك، وكان حواس قد أرسل أمس الأول خطابًا لجريدة لوموند الفرنسية ينفي فيها تهمة معاداة السامية عن حسني، و الدكتور فوزي فهمي، والذي رشحته الشائعات للوزارة أكثر من مرة، أثناء وجود حسني، وفي كل أزمة ترجح الإطاحة به، والدكتور مصطفي الفقي، عضو لجنة السياسات، والدكتور جابر عصفور المسؤول عن قطاع الترجمة في وزارة الثقافة .
لكن المثقفين يعتقدون ان هذه الأسماء لن تغيّر شيئًا في السياسة الثقافية، لأنّهم سيسيرون على نهج فاروق حسني نفسهوتدور في فلكه وفلك النظام السياسي الحالي . ويرى الناقد الروائي فتحي إمبابي ضرورة البحث عن وزير ثقافة بمواصفات طه حسين او جمال حمدان يتمتع بشفافية ويحترم حرية المثقف وأفكاره التي يتبناها بعيدًا عن الضغوط، وألا تكون اجندته مقاومة المد الإسلامي لأن فكرة التنوير لا تقف فقط عند مقاومة المد الإسلامي السياسي بل ان تتحول لفكرة تنوير حقيقية تعمل على تثقيف المواطن وجعله يؤمن بحريته وحقوقه وكرامته ويحافظ عليها.
ويقول المفكر والكاتب المصري الدكتور حمدي السكوت مقرر لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، إنّه يطمح ان يتولى الوزارة شخص مثقف يجمع المثقفين من حوله، وان يكون مستنيرًا ومنفتحًا على الحضارات الأخرى وبالأخص الحقل الثقافي بالخارج .
التعليقات