الإسلام في الدنيا الجديدة
الجزء الثاني (2 من 3)
الشعب الأمريكي شعب يتكون نسيجه من مجموعات مهاجرة أتت من جميع أنحاء العالم لتستقر في الدنيا الجديدة. إحدى تلك المجموعات هي مجموعة المهاجرين المسلمين. وقد أدى ذلك إلى تكوين جالية مسلمة في الولايات المتحدة والتي تمارس حياتها وطقوسها وعاداتها بحرية تامة مثلها مثل جيرانها من الأمريكيين
الآخرين مع اختلاف مشاربهم وعقائدهم. فالقانون الأمريكي لا يفرق بين أبنائه بناءا على أصولهم العرقية أو التزاماتهم العقائدية كلهم يحظون بنفس الرعاية وفقا للقانون. الولايات المتحدة ـ في الأساس ـ دولة ترحب بالمهاجرين إليها وتمنحهم حق المواطنة وحق الجنسية فيصبحون سواسية في ظل القانون والدستور. ولم يتعرض المسلم الأمريكي أو الأقلية المسلمة في المجتمع الأمريكي إلى أي نوع من القهر أو الاضطهاد أو العنصرية أو التعصب الديني حتى في تلك الفترات التي عانت فيها أقليات أخرى في المجتمع الأمريكي من الاضطهاد والعنصرية. فالسود الأمريكيون عانوا لفترة طويلة إلى حين أن نالوا حقوقهم، وكذلك النساء الأمريكيات اللاتي عانين للحصول على حق التصويت قبل قرن من الزمن.
وبالمثل عانى اليابانيون الأمريكيون حينما أودعوا في معسكرات جماعية في الجزء الأول من القرن المنصرم بعد أن هاجمت اليابان الأسطول البحري الأمريكي في بيرل هاربر مما أدى إلى إقحام الولايات المتحدة في خضم الحرب العالمية الثانية. لكن ذلك لم يحدث مطلقا بالنسبة للأقلية المسلمة حتى عندما أقدم 19 مجرما إرهابيا على شن هجومهم المشؤوم على نيويورك وواشنطن. لم يكن رد فعل المجتمع الأمريكي صارما تجاه العرب والمسلمين الأمريكيين مثلما حدث لليابانيين الأمريكيين بل كان متعقلا وطبيعيا وبشكل عام لم يصب المجتمع الأمريكي جام غضبه ndash; كما توقع البعض - على أبنائه المسلمين. ذلك بالطبع لا يعني أن أحدا من المسلمين لم يضايق أو يهاجم سواء شفويا أو جسديا بسبب انتمائهم الإسلامي وإنما كانت تلك الحالات فردية واستثنائية.
ربما يتساءل البعض لماذا لم يحدث للأقلية المسلمة ماحدث للأقليات الأخرى في الماضي ولماذا لم تأت ردود الأفعال بما كان يتوقعه البعض. يبدو أن هذا السؤال كان مطروحا لفترة طويلة بدون إجابة وربما كان محل أخذ ورد بين المعتدلين وغير المعتدلين. لكنهم نسوا أن التجربة الأمريكية على مدى التاريخ استطاعت أن تتجاوز محنتها وأن تتطور بأدواتها القانونية والدستورية بما يحفظ هذا النسيج القومي للبلاد من التفتت وبما يحميه من تداعيات الغضب الأعمى الذي يثير الفتن ويعرض وحدة الدولة الحضارية ونموذجها إلى الانجراف نحو ما تسعى إليه القوى المعادية من تشويه لهذا النموذج الفريد من نوعه المتعدد الثقافات. لذلك لم تسمح القيم الاجتماعية الأمريكية بالوقوع في هذا الفخ.
لقد تعلمت الولايات المتحدة دروسا مفيدة عبر تاريخها من تجاربها مع الأقليات والجاليات المختلفة وأدركت أن وحدة شعبها وتلاحمه أهم وأكبر من عقدة اللون أو العقيدة وأن ما تكبدته عبر التاريخ دخل في إطار الدروس المستفادة التي ينشأ عنها تحسين أوضاع المجتمع وصياغة قوانينه بما يضمن تطبيقها بشكل متساوي على الجميع. لذلك أدخلت التعديلات وسعت إلى تطبيق قوانين أكثر صلابة ضد ألوان الاضطهاد والعنصرية والتعصب الديني. لذلك لم يحدث الاضطهاد أو أي شكل من أشكال العنف ضد المسلمين الأمريكيين سواء في وظائفهم أو أعمالهم التجارية أو بيوتهم أو مساجدهم في أعقاب أحداث سبتمبر الإرهابية إلا ما ندر وبردود أفعال فردية أخذت بمنتهى الحسم وعوقب مقترفوها وفق نصوص وأحكام القانون.
لقد كنت أحد الذين عايشوا الهجمات الإرهابية بقساوتها ومرارتها. وأدركت حينها أن العنف يولد العنف وأن الغضب الأعمى لا يفرق بين البريئ والمذنب وأن الهوية تجرم أصحابها في بعض الوقت على أفعال لم يرتكبوها. لكنني وجدت نفسي محاطا بأصدقائي وبرعايتهم، لقد تلقيت اتصالات عديدة من أصدقاء ومعارف أمريكيين من أصول مختلفة غير إسلامية وغير عربية في الأيام التالية لـ 9-11 تطمئن على حالي وتؤكد لي أن ما حدث لا يمثل العرب أو المسلمين وأنني بالإمكان الاعتماد عليهم إذا استدعتني الحاجة. بل أن عددا منهم عرض علي الإقامة في منازلهم إلى حين quot;جلاء هذه الغيمةquot;. قصتي هذه لم تكن فردية أو فريدة من نوعها فلقد تبين لي تكرار هذه القصة مع معظم معارفي وأصدقائي من المسلمين الأمريكيين. ولم تكن هذه القصة إلا ترجمة حقيقية للقيم الأمريكية التي وضع أسسها قانون لم يعد يفرق بين الأقليات وأعراقهم وديانتهم.
وعلى هذا الصعيد استمر المجتمع الأمريكي فيما عليه كما كان قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر يعطي الإسلام حقه ومساحته الحيوية في البيئة الأمريكية. ولم يتعرض مسجد للإزالة أو تصاب مآذنها بسوء، مازالت المساجد موجودة على عددها منتشرة في المدن وعبر الولايات والتي تفوق 1200 مسجدا وتزداد عاما بعد عام. ومازالت الحكومات والبلديات المحلية تتواصل مع قادة المجتمع الإسلامي وتتشاور معهم في أمور حاضرهم ومستقبلهم وفي أمور عطائهم لهذا المجتمع. ولا تقتصر العلاقة على علاقة الجالية الإسلامية بالحكومة وإنما تتخطاها إلى التواصل الأفقي مع كل جالية دينية أخرى ويشترك الأئمة المسلمون في حوار الأديان وغيريها من المحاضرات والمناسبات التي تجمع أصحاب العقائد الأخرى.
لقد أعطى المجتمع المحلي أهمية كبرى للأعياد والمناسبات الدينية، والإسلام مثله مثل الأديان الأخرى حظي أيضا بالاهتمام، فقد حرصت هذه الحكومات من خلال أجهزتها وممثليها من توجيه التهنئة في كل أعياد المسلمين وأيامهم المباركة بل إنها تشاركهم هذه الاحتفالات، فعلى المستوى الرسمي حرص رؤساء الدولة الأمريكية مع تعاقبهم على تقديم التهنئة للمسلمين والاجتماع برموزهم الدينية وبأعضاء الجالية الإسلامية وزيارة مراكزهم ودعوتهم على الإفطار في البيت الأبيض بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك. كما حرص الكونغرس الأمريكي على دعوة العديد من الشخصيات الإسلامية لسماع وجهات نظر المسلمين باعتبارهم جزءا من نسيج هذا المجتمع لهم حقوقهم وعليهم واجباتهم التي يؤدونها، كما أنك تسمع في مستهل بعض جلسات مجلس الشيوخ والنواب تلاوات من آيات الذكر الحكيم.
هذه بعض من المشاهدات الحقيقية التي لا تغيب عن عين أحد لأنها تمثل واقعا ملموسا لما حدث ويحدث وترمز للواقع الإسلامي في المجتمع الأمريكي. ربما هذه المشاهدات تفسر الكثير مما يغيب عن أذهان الناس عن جدوى دعوة معظم رموز المجتمع الإسلامي للحفاظ على الهوية الإسلامية التي تؤمن بمبادئ حسن الجوار والمعاملة الحسنة وبالطقوس الروحانية الجميلة والوقوف بحسم أمام كل الدعاوي التي تدعو إلى تحول الإسلام من دين روحاني إلى منهج سياسي قائم على مصالح شرذمة من الأفراد وليس على مبادئ هذا الدين الحنيف الذي يعتبر جزءا مكملا لقيم الشعب الأمريكي التي تشكل مبادئ الوجود الأمريكي.
وليد جواد
فريق التواصل الإلكتروني
وزارة الخارجية الأمريكية
[email protected]
http://usinfo.state.gov/ar
التعليقات