حاولت أن ألوذ بالصمت حتى تنقشع غيمة الانتخابات البعثية، أو سأسميها توزيع المقاعد والحصص، لكن الصمت أمام نداءات وأوجاع الوطن والإنسان السوري جريمة كبرى!!! لأنه حقيقة لا توجد أية انتخابات بالمعنى الصحيح، خاصة وأن المرشحين يحصلون على التهاني والتبريكات قبل البدء بعملية الاقتراع؟


قبل شهور كنت متفائلا أن قوى المعارضة السورية أمام طريقين: المشاركة بقائمة مستقلة مواجهة لقائمة البعث، أو المقاطعة الفعلية وتكريسها ضمن حياة الجماهير والشعب، أي عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع، لكن فوجئت بالمقاطعة من قوى إعلان دمشق وكانت أن اقتصرت مقاطعتها على بيان ورقي، وما كان في جوهره إلا الهروب من الالتزامات ومن عملية التغيير الديمقراطي السلمي.


طبعا نحن جميعا نعرف حجم كل طرف سياسي معارض، ونستطيع أن نميز بين معارضة موالية للسلطة، ومعارضة في نفس الوقت، أي هي تحث الخطى وفق مقاييس البعث وسياساته، أما المعارضة الأخرى فهي قليلة جدا، ولكنها أكثر شجاعة وجرأة من مثيلاتها.


لو تخيلنا أن قوى إعلان دمشق تحالفت مع لجنة التنسيق الكردية ومع حزب الاتحاد الديمقراطي ومع البعض من المستقلين في عموم أنحاء سوريا، الم تكن ستحصل على الاحترام الشعبي والتأييد من كل مواطن سوري يعشق الوطن ويعمل لأجله!!!


لكن السلطة نجحت في أن تفتت المعارضة وذلك عن طريق أزلا مها المختبئون في ظلال معارضة وهم معروفون، ويسيطرون على الوسط العربي المعارض وعلى الكردي أيضا!!!


والسؤال المتداول على السنة المواطنين: نعم قاطعتم الانتخابات وهذا يعني أنكم أصبحتم في خط مضاد للسلطة حسب مفهوم المقاطعة.. فهل ستقاطعون انتخاب رئيس الجمهورية أيضا!!!! انطلاقا من موقفكم تجاه الانتخابات!!


سؤال يطرح نفسه داخل الشارع السوري، وما يقع على عاتق قوى إعلان دمشق أن تحدد إيديولوجيتها السياسية، هل هي في موقع المعارضة أم الموالاة، وأين احترامكم لإرادة الشعب وصوته. أم أنكم تشاركون السلطة في تغييب صوت الشعب الحر؟؟


إن العمل من اجل التغيير الديمقراطي السلمي في سوريا، وإقامة دولة القانون والحريات تحتمّ على كل معارض شريف العمل ضمن جميع الأجواء مهما كان الاستبداد والعوائق، ثم إن النظام في سوريا هو نفسه ولم يتغيير، وهو فرض نفسه منذ الستينات وفق المادة الثامنة من الدستور وهو القائد للدولة والمجتمع، فلماذا مقاطعة الانتخابات، و في جميع دول العالم الاستبدادية والديمقراطية نجد المعارضة تنزل إلى الشارع وتعمل جاهدة لأجل صنع أصوات شعبية شريفة ولو بنسب ضئيلة، وهذا يعتبر أرقى النجاحات لأجل عملية التغيير وترسيخ ديمقراطية بسيطة ستكبر شيئا فشيئا وسترى النور يوما ما.
قد يشعر الكثيرين بالإحباط فيما أقول، وذلك أننا جميعا نعيش تحت قانون البعث وجمهوريته التي تكاد تناطح السحاب، في ظل ثقافة العنف والاستبداد، وغياب الحريات وحقوق الإنسان، وفقدان قانون ينظم العمل الحزبي والانتخابي.


لكن متى كانت الحقوق والحريات تهدى على طبق من ذهب؟ وهل على الجميع أن يمارسوا الصمت والانتظار حتى يرحل البعث، أو يصاب بالتخمة من السلطة وهمومها!!!


أنا أعيش الوطن وآلامه، ووجع المواطن السوري في مساءات ونهارات كل فصول العام، وارى ظهور سياسة الاحتجاج داخل الشارع السوري، و الصراخ عاليا في وجه كل انتهاك إنساني من قبل مؤسسات السلطة، والتعبير عن الرأي بشجاعة ودون كتم لأصواتنا بأيدينا نحن، والمشاركة في الانتخابات بقوة ( رغم التزوير وقوائم الظل) ستدفع عملية التغير والديمقراطية إلى الأمام وستنقذ الوطن من كل سياسات الفساد والنهب وطمع الآخرين ممن ينتظرون سقوط الأقنعة!!!


الديمقراطية المزيفة أو ديمقراطية حزب البعث تعيش في تبرّجها دون أن تعبىء بأي مواطن سوري، حيث نجد أباطرة الحزب يرفضون ديمقراطية تستورد من الخارج، فالعبقري مهدي دخل الله يتفاخر بديمقراطية حزبه التي لامثيل لها في العالم، وبثينة شعبان تجد في كل الأصوات المعارضة(الشريفة والوطنية) والتي تناشد لأجل الحريات وحقوق الإنسان وتداول السلطة وكرامة الوطن، أنها أصوات مشبوهة، وفي نفس الوقت وتحت ظلال قانون الطوارىء وهيمنة القوى الأمنية، تفرض السلطة رجالاتها على الشعب تحت اسم مجلس الشعب، في حين لانجد أي أثر لصوت الشعب ضمن عملية الانتخاب؟؟؟
فمعظم المقاعد وأغلبيتها للبعث ولأحزاب الجبهة الرخيصة، أما الثمانون مقعدا المخصصة للمستقلين، فتوزع على الموالين للبعث وللفروع الأمنية، وهؤلاء إما إقطاعيون أو رجال أعمال يقتاتون من قوت الشعب.


وفي هذه الدورة التشريعية كان الشعب غائبا عن التصويت، ولم نجد أي إقبال على الاقتراع. وفي المناطق الكردية عموما، وخاصة في الحسكة والقامشلي وفي عموم الجزيرة كانت الحياة عادية وهادئة، ولم نجد أي حضور شعبي أمام مراكز الانتخاب، حتى المستوطنات (عرب الغمر) لم نجد لهم أية مشاركة، حيث أن قائمة الظل لم تلقى رواجها لديهم، لأن السلطات الأمنية اختارت أربعة شخصيات ضمن قائمة المستقلين( كردي موالي- مسيحي سوري أمريكي- عربي عشائري- عربي قبلي)، هؤلاء هم من سيمثلون شعب الجزيرة، في حين أنهم كانوا من الرموز التي ساهمت في اغتيال وقتل العشرات من أبناء الشعب الكردي في انتفاضة آذار 2004، وذلك بتحريضهم للعشائر العربية ضد الكرد الأبرياء، وهذه أرقى أنواع الوحدة الوطنية والتلاحم الشعبي؟؟؟


طبعا الشارع الجز راوي ( العربي+ الكردي+ المسيحي) شعر ويشعر بالغضب والنقمة والظلم! وذلك للجوء السلطة إلى التزوير، واختيار تلك الشخصيات التابعين لقائمة البعث والجبهة، وهنا يتساءل الجميع: لما كل عملية الاقتراع والضجة الإعلامية، ونجد أن البرلمانيين يختارون ويتم تعينهم بطريقة كرتونية مضحكة!!


طبعا ما يحصل هي إحدى ثمرات الاستبداد والفساد وضعف المعارضة، وهي دليل قاطع على ضعف البعث وفقدانه الثقة بنفسه وبالشعب، فلو كان يحظى بتأييد شعبي لما لجأ إلى التزوير وقوائم الظل.


هذه ديمقراطية جديدة فعلا، ممثلين عن الشعب، والشعب لم يختاره بإرادته. الناشط الكردي إبراهيم اليوسف، لم يجد أية وسيلة يحتج بها على التزوير، ( في ظل صمت وغياب المعارضة) سوى أن يوّجه رسالة إلى رئيس الجمهورية يناشده لأن يقوم بإعادة الانتخابات والقضاء على الفاسدين أعداء الوطن. في حين نجد المعارضة جامدة، واحد رموز قوى إعلان دمشق( كردي) يتم اختيار احد أقربائه لأن يكون برلمانيا يمثل المواطنين الكرد، رغما عن انف ملايين الكرد، هذا الكردي المرشح هو احد رموز الفساد والإقطاع يبيع الوطن وكرديته المفقودة لأجل كأس خمر وليلة حمراء، وهنا مربط الفرس؟؟؟؟؟؟؟ والبرلمان يعج بالكثيرين من أمثاله، فهل يستحق الشعب والوطن أن يكون برلمانيه بعيدون عن هموم الوطن، وغارقون في الفساد والجهالة!!


لا نستغرب ذلك أبدا في ظل ديمقراطية حزب البعث، فالمائدة شهية والطفيليون من حولها كثر!وعلى الوطن والشعب والمعارضة( الديمقراطية) السلام وكل السلام.

جهاد صالح
23 \ ابريل 2007 ndash; صحفي وناشط في مجال حقوق الإنسان.